عروبة الإخباري – عقد جلالة الملك عبدالله الثاني والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في العاصمة برلين امس الأربعاء، مباحثات ركزت على سبل تطوير علاقات التعاون في مختلف المجالات، إضافة إلى تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.
وأعرب جلالته عن اعتزازه بالمستوى الذي وصلت إليه العلاقات الأردنية الألمانية في مختلف المجالات، مثمناً الدعم الذي تقدمه ألمانيا للمملكة، وبما يسهم في تعزيز قدراتها في مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية وتنفيذ البرامج التنموية.
وتطرقت المباحثات، التي تخللها مأدبة غداء أقامتها ميركل تكريما لجلالة الملك والوفد المرافق، إلى الأوضاع والتحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خصوصا الجهود الدولية المبذولة للتصدي لخطر الإرهاب وعصاباته، ومساعي تحقيق السلام والاستقرار فيها.
وأشار جلالته، في هذا المجال، إلى أهمية تبني القوى والأطراف الدولية الفاعلة لاستراتيجية شاملة لمواجهة جميع أشكال الإرهاب والتطرف.
وفيما يتعلق بجهود تحقيق السلام في الشرق الأوسط، جدد جلالة الملك التأكيد على ضرورة تكثيف جهود جميع القوى والأطراف الدولية المؤثرة للعمل على تهيئة الظروف الملائمة لإحياء عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتذليل العقبات التي تقف حائلا أمام استئناف المفاوضات، استنادا إلى حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية.
كما تطرقت المباحثات إلى التحديات التي تمر بها بعض الدول العربية، ومنها سوريا والعراق وليبيا واليمن، وضرورة التوصل إلى حلول سياسية شاملة تحفظ استقرارها ووحدة أراضيها وأمن شعوبها.
من جهتها، أكدت المستشارة الألمانية حرص بلادها على تعميق علاقات الصداقة مع المملكة، وتطلعها لتوسيع آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات.
وأشارت إلى أن ألمانيا تنظر إلى المملكة بوصفها شريكاً استراتيجيا في التعامل مع التحديات الراهنة وتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.
وأعربت عن تقديرها وبلادها للدور الكبير والمتميز الذي يقوم بها الأردن، بقيادة جلالة الملك، إلى جانب مختلف الأطراف والقوى الدولية، في التعامل مع خطر الإرهاب والتصدي لتنظيماته المتطرفة، بوصفها خطرا عالمياً مشتركا.
وفي تصريحات مشتركة أمام الصحفيين عقب اللقاء، الذي جرى في مقر المستشارية الألمانية، أكد جلالة الملك حرصه على تمتين العلاقات الثنائية والتنسيق والتشاور المستمر مع ألمانيا حيال مختلف التحديات الإقليمية.
وقال جلالته في التصريحات: إنه لشرف كبير لي دائما يا فخامة المستشارة ميركل أن ألتقي بكم ويسعدني أن أكون في ألمانيا من جديد. بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن جميع أبناء وبنات شعبي، اسمحي لي آن أتقدم بالشكر لألمانيا، حكومة وشعبا، على الدعم المستمر الذي قدمتموه للأردن على مدى السنين.
وأضاف “إن ما استثمرته ألمانيا في الأردن يؤتي الآن ثماره لبلدينا، في مجموعة واسعة من المجالات الاقتصادية والثقافية والتربوية. وأنا شخصيا، وكذلك بلدي، ممتنون لهذه الفرصة للبناء على شراكتنا الاستراتيجية المتينة والقيمة”.
وأكد جلالة الملك “يولي الأردن في هذا الوقت على وجه الخصوص أهمية كبيرة للعمل مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي لتجاوز العديد من التحديات في منطقتنا وخارجها، بالإضافة إلى بذل الجهود لدفع عجلة السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم”.
وقال جلالته: لقد استعرضنا في جلسة اليوم، كما ذكرت المستشارة، العديد من القضايا المهمة التي تجري في منطقتنا. وكما هو واضح، فإن ألمانيا تلعب دورا مهما ليس في هذا الجزء من العالم فقط، بل أيضا في منطقتنا، وقد شمل الحوار مجالات عديدة، وتحديدا تهديد الإرهاب في العالم، وهو التهديد الذي وحدنا في التعامل معه، حيث اتفقنا على ضرورة التنسيق بين البلدين وتوحيد جهودهما في مواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتي أصبحت مشكلة تهدد العالم أجمع.
وأضاف جلالة الملك “لم يحدث أبدا أن اتسع نطاق تهديد الإرهاب والتطرف كما هو عليه الحال اليوم. فلا يقتصر الأمر على داعش في الشرق الأوسط، حيث يوجد هناك أيضا بوكو حرام وحركة الشباب الإرهابيتين في أفريقيا. ولا يمكن التعامل مع هذه المخاطر في معزل عن بعضها البعض، وبالتالي فقد ناقشنا كيفية إيجاد منهجية شاملة للتعامل مع هذه القضايا في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وغيرها”.
وأكد جلالته في التصريحات “كما ذكرت فخامة المستشارة، فقد ناقشنا التحديات المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي لا يزال يمثل عقبة رئيسية في منطقتنا، وهي القضية التي يستغلها المتطرفون في جميع أنحاء العالم. ونحن متفقون على أن الطريق الوحيد لدفع الطرفين للتوصل إلى اتفاق هو من خلال حل الدولتين”.
وقال جلالة الملك “إن أمام كل من ألمانيا والأردن مستقبل مزدهر وراسخ، ونحن مصممون على المضي قدما في هذا الطريق”.
وأضاف جلالته “مرة أخرى، بالنيابة عن شعبي، أود أن أشكر ألمانيا، فهي في مقدمة الدول التي تقدم الدعم للأردن للتغلب على التحديات التي تواجهنا مع تفاقم أعباء استقبال اللاجئين لدينا. وكما يعلم الجميع، فإن اللاجئين السوريين يشكلون 20 بالمئة من سكان الأردن، وقد كانت ألمانيا والشعب الألماني من الدول التي قدمت الدعم ليس فقط للأردن للتغلب على تحديات البنية التحتية الناشئة بسبب أزمة اللاجئين، ولكنها أيضا تدعم اللاجئين السوريين أنفسهم في بلدنا”.
وأوضح جلالة الملك حجم التحدي بسبب اللاجئين السوريين، وقال “تخيلوا أن يهاجر كل سكان هولندا إلى ألمانيا في فترة زمنية قصيرة. نحن ممتنون للغاية للحكومة والشعب الألماني لما قدموه لبلدنا من مساعدة وعون، وأكرر شكري لبلدكم وشعبكم على مساندتكم”.
وفي رده على سؤال للصحفيين حول التنسيق بين البلدين في مواجهة مختلف التحديات، قال جلالة الملك: أعتقد، كما أشرت قبل قليل، أن العلاقة بين بلدينا فريدة من نوعها وقوية. فمن الناحية السياسية، كانت علاقتنا دائما متينة. وأنا وفخامة المستشارة دائما متفقين في آرائنا بالنسبة لجميع التحديات السياسية في الشرق الأوسط.
وأضاف جلالته “نقدر دور ألمانيا وما تقوم به للمساهمة في استقرار منطقتنا، والدعم الذي تقدمه فيما يتعلق بالعديد من القضايا التي تواجه بلدنا. وهذا الموقف يعكس موقف الاتحاد الأوروبي الساعي إلى تحقيق السلام ومنح الأمل والاستقرار لشعوب منطقتنا”.
وأكد جلالة الملك “أن ألمانيا تلعب دورا قويا جدا وحيويا في إطار الاتحاد الأوروبي، ونحن ممتنون جدا لهذا الموقف، ليس فقط لما تقدمه لمنطقتنا، بل أيضا لمساهماتها في تحقيق الاستقرار في المجتمع الدولي ككل”.
وفي رده على سؤال حول الجهود الأردنية في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، أشار جلالة الملك إلى أن الأردن هو البلد العربي الوحيد الذي يعمل مع قوات التحالف فيما يخص العراق. وفي هذه المرحلة، مضيفا جلالته، فإن التركيز هناك هو على استخدام القدرات الجوية.
وحول مدينة الموصل العراقية وما تعانيه، أوضح جلالته أنها قريبة جغرافيا من حدود الإقليم الكردي، وهي بعيدة جدا عن الأردن، مشيرا جلالة الملك إلى أنه واعتمادا على طبيعة أهداف العراق والتحالف خلال الصيف المقبل، سيتحدد الدور الذي سيقوم به كل طرف فيما يخص العراق.
وفي رده على سؤال حول مشاركة الأردن في التحالف العربي في اليمن، بين جلالة الملك أن الأردن جزء من التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية للدفاع عن أراضيها. والأولوية الآن، كما بين جلالته، هي الدفاع عن السعودية، موضحا أنه ليس هناك أي إجراء للمشاركة في أي تدخل بري في اليمن.
من جانبها، رحبت المستشارة الألمانية بزيارة جلالة الملك إلى برلين، وحرصها للبناء على نتائج مباحثاتها مع جلالته.
وقالت المستشارة الألمانية في تصريحاتها: يسعدني أن يكون جلالة الملك عبدالله الثاني ضيف شرف في برلين اليوم. وإنه لمن دواعي سروري أن نرحب به اليوم لأن الأردن يلعب دورا مركزيا في حل العديد من النزاعات. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتواصل دائما ونتحاور بشكل مكثف، وتتميز محادثاتنا بروح الصداقة.
وقالت في تصريحاتها “يتحمل الأردن أعباء كبيرة جدا بسبب الآثار الناجمة عن الأزمة السورية. ونحن نحاول أن نساعد، من منظور إنساني، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر جلالة الملك من كل قلبي على تحمل هذا العبء في وضع صعب جدا. وسوف تستمر ألمانيا في تقديم الدعم. وقد بلغ المجموع الإجمالي لمساهمة ألمانيا في التعامل مع أزمة اللاجئين حتى الآن 840 مليون يورو، منها 230 مليون قد تم توجيهها إلى الأردن لدعمه”.
وأضافت “من القناعات التي نشترك جميعا بها سعينا للتوصل إلى حل سياسي للاضطرابات الأهلية في سوريا. ولا يمكن أن يأتي الحل إلا من خلال التشاور مع المجتمع الدولي والحصول على دعمه. وأعتقد أننا قادرون على تحقيق ما تم إنجازه مع إيران، وهو الاتفاق مع الدول التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن وبقية أعضاء المجلس للتوصل إلى الحل المنشود”.
وأكدت أهمية زيارتها الأخيرة إلى موسكو، وقالت “قد كانت زيارتي إلى موسكو أخيرا مهمة في هذا الصدد لأنها وفرت لي فرصة مناقشة هذه المسألة، فالروس، وكذلك الأميركيون، يلعبون دورا مهما للغاية في هذا المجال. وقد رأيت في ذهاب وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى مدينة سوتشي ومناقشة هذه المسألة إشارة مشجعة.” وقالت “المسألة في الأساس تتعلق بمحاربة عصابة داعش الإرهابية في كل من سوريا والعراق. والأردن منخرط بفعالية في هذا الجهد. أما بالنسبة لألمانيا، كما تعلمون، فإنها تساهم بكثافة في دعم الجانب الكردي، وبالتشاور مع الحكومة المركزية العراقية أيضا. وتعد مسألة إشراك جميع الجماعات الدينية في العراق في غاية الأهمية، ونحن نتمنى لرئيس الوزراء حيدر العبادي كل التوفيق والنجاح في هذا المسعى”.
وأضافت “نسعى لتقديم المساعدة الإنسانية للمناطق التي تم تحريرها من عصابة داعش، ونعتقد أنه من الأهمية بمكان تقديم هذه المساعدة إلى العراق، وبالتشاور أيضا مع الأردن إذا لزم الأمر”.
وقالت “ناقشنا أيضا الصراع في اليمن، ونأمل أن تتوج الجهود السياسية التي تجري حاليا بالنجاح في التوصل إلى حل، لأنه من الصعب للغاية إنهاء هذه الأزمة بالوسائل العسكرية وحدها”.
واختتمت المستشارة الألمانية بالقول “أخيرا وليس آخرا، فإن الصراع في الشرق الأوسط له أهمية مركزية. وبالأمس، أوضحت في حديثي مع رئيس دولة إسرائيل ضرورة التركيز على حل الدولتين، وسوف نفعل كل شيء بوسعنا كي نساهم بفعالية في تحقيق ذلك، على الرغم من أننا ندرك أنها مهمة شاقة. لكننا مؤمنون أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد الذي من شأنه تحقيق النتائج، وأشكركم مرة أخرى، وأهلا وسهلا بكم”.
وحضر المباحثات رئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور فايز الطراونة، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة، ومدير مكتب جلالة الملك الدكتور جعفر حسان، والسفير الأردني في برلين الدكتور مازن التل، فيما حضرها عن الجانب الألماني عدد من كبار المسؤولين.
وتمتاز العلاقات بين الأردن وألمانيا بالمتانة، حيث توجت بتوقيع اتفاقية لمبادلة دين ألماني مقداره 27 مليون يورو واستخدام حصيلة القرض في بناء الجامعة الألمانية الأردنية، وتوجيه جزء منه لتطوير التعليم نحو الاقتصاد المعرفي.
ويرتبط البلدان باتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات ورؤوس الأموال، إلى جانب اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وبلغت قيمة الصادرات الكلية من المملكة إلى ألمانيا حوالي 4ر29 مليون دينار في عام 2014، مقابل مستوردات من ألمانيا قيمتها 637 مليون دينار في العام ذاته.