سقط حزب الله اللبناني في مصيدة “اللا أخلاقية” والطائفية الدينية والأيدلوجيا المغلقة، في الحرب التي يخوضها ضد الشعب السوري في سوريا، وهي حرب حولت حزب الله إلى “ركام لا أخلاقي” فاقد للمبررات الوجودية، وهذا يعني أن حربه في سوريا ستنتهي بانتهائه أيضا كحزب ومنظومة عسكرية – طائفية.
يصنف قادة حزب الله حزبهم على أنه “حركة مقاومة”، وقد استطاع أن يكتسب زخما كبيرا بتصديه لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان، وهذه حقيقة لا يمكن إخفاءها، وهذا من كرسه “مقاومة” في وجه محتل للأرض، جعلت منه “أيقونة” عربية وإسلامية في وقت من الأوقات، وحولت الحزب وقادته إلى رموز في العالم العربي، وصار الاستماع لخطابات زعيم الحزب حسن نصر الله من الأحداث الجماهيرية الحاشدة.
حركة مقاومة تعني الحديث “مشروع” مقاوم، له رؤية وأهداف واستراتيجيات، وله حاضنة فكرية وثقافية ودينية وجماهيرية، فنحن إزاء فعل جماهيري في الدرجة الأولى، وإذا ما طبقنا هذه المعايير على حزب الله ما قبل التورط في الحرب إلى جانب نظام الأسد في سوريا، فإنه ظاهريا على الأرض كان يلبيها، فالمقاومة تهدف إلى “التحرير ودحر المحتل” بالدرجة الأولى، وهو ما تحقق بشكل أو بآخر، لأنه يتصدى للكيان الإسرائيلي بجيشه وعدته وعتاده.
هذا الوضع في التعريف المقاوم انهار تماما مع تدخل حزب الله في سوريا، لأنه تغير ودخل في متاهة لا علاقة لها بالمقاومة التي تعني بالدرجة، الحرية والتحرر والاستقلال، وانقلب على الحالة الثورية الشعبية المرتبطة بالجماهير ليقف في الصف المعادي للشعب وثورته وسعيه للتحرر من الظلم والدكتاتورية والفساد والطغيان، وهنا وقع حزب الله في المصيدة الكبيرة، وتحول من “حركة تحرر” أو حركة ثورية شعبية، إلى أداة معادية للثورة وللتحرر، مما يسقط المتكأ الأخلاقي لوجوده من الناحية العملية.
وإذا ما ذهبنا إلى ما هو أبعد من التحليل الظاهري لحالة حزب الله المرتد عن الثورية الشعبية التحررية، فإن هذا الحزب دخل في خصام مع العقل الثوري الجماهيري بوقوفه في وجه الثورة السورية التي كان يفترض أن يكون جزءا منها بحكم تكوينه الثوري، ولكن لماذا وقع هذا الفصام النكد في الانقلاب على الحالة الثورية للتحول إلى حالة معادية للثورة.
تفسير هذه الشيزوفرانيا أو “انفصام” يكشف إلى أن الحالة الثورية لحزب الله كانت “مزيفة” ولم تكن حقيقية، وأن أبعادا أخرى تحكمت وتتحكم في منطلقات هذا الحزب، وأنه يعتمد أبعادا غير منظورة في حركته ليس من بينها “الحرية والتحرر” بمعناها المجرد، فما هي هذه الأبعاد والمنطلقات غير المرئية؟
لا شك أن البعد الديني الطائفي بما فيهما من أيديولوجيا غارقة في الاتكاء على تسوية الحسابات التاريخية هي التي تتحكم في حركة حزب الله، فهو تدخل في سوريا تحت لافتة “حماية مقام السيدة زينب” ورفع مقاتلو الحزب وحلفاؤهم من المليشيات الشيعية العراقية شعارا لافتا ألا وهو “زينب لن تسبى مرتين”، في حالة “جلب قصرية” للتاريخ بغية استخدامه وقودا في المعركة، فهو لا يدافع عن نظام الأسد كما أعلن في الوهلة الأولى، لكنه يدافع عن “مظلومية تاريخية” تقوم على تفسيرات وتركيبات تستدعي السقوط في فخ “تسوية التاريخ بالقوة العسكرية”، وهذا النوع من الحروب طويل تراق فيه الكثير من الدماء، ويصعب، بل وربما يستحيل، بعدها جمع الأضداء معا، ولو حول الحد الأدنى من التعايش البيني.