لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي مررت قبل أيام مشروع قانون طرحه العضو ماك ثورنبيري يمنح 715 مليون دولار بشكل مساعدات عسكرية مشروطة للحكومة العراقية، كما يسمح للولايات المتحدة بتسليح الكرد والعرب السنة مباشرة ومن دون المرور من خلال حكومة بغداد، مشروع القرار مازال في مراحله الأولى ولم يكتمل بعد وبرغم ذلك جاءت ردات الفعل سريعة لكن كالعادة متباينة.
تحالف الكتل الشيعية في مجلس النواب ما يطلق عليه “التحالف الوطني” أجمع على الرفض في قرار صدر عن المجلس السبت الماضي قدمه التحالف المذكور، ولم يكن توفيقيا متوازنا ما دفع ممثلي العرب السنة والكرد إلى ترك الجلسة، وبالتالي لم يشاركوا في التصويت، الحدث فريد من نوعه وسيكون له ما بعده.
بعض من قيادات الشيعة ذهبوا بعيدا وهددوا باستنفار مليشيات وتهديد مصالح أمريكية، أما حكومة حيدر العبادي ووزارة خارجيته فلم تكونا استثناء، وغردت داخل السرب الشيعي وهو ما كان متوقعا، لكن من بين المرجعيات الشيعية لم ينفرد بموقف مغاير سوى المرجع الشيعي العربي محمود الحسني الصرخي الذي أفتى بضرورة تسليح العرب السنة وبشكل مباشر وكتب يقول: (نعم نعم نعم.. للتسليح). الكرد بالطبع رحبوا بالقرار بعد أن عانوا الأمرين من وعود الحكومة المركزية بدعم البيشمركة عسكريا التي لم يتحقق منها الكثير. موقف العرب السنة على العموم مرحب برغم تحفظات بعضهم واعتراضهم على بعض التفاصيل، والذين أيدوا القرار وفي مقدمتهم ممثلو العرب السنة في حكومة العبادي أو في الحكومات المحلية والعشائر الموالية والتي استهدفها تنظيم الدولة (داعش) من الموصل إلى صلاح الدين والأنبار، هؤلاء باتوا محبطين بعد أن ثبت لهم أن حكومة حيدر العبادي غير جادة بتسليحهم ولا تسعى لتقويتهم في مواجهة التنظيم المتطرف داعش، وبذلك لن يختلف نهجها عن نهج المخلوع نوري المالكي الذي جرّدهم حتى من السلاح الشخصي، وعندما يحرم السنة من عناصر القوة فإن العبادي يمهد بشكل مباشر لزج البديل وأقصد المليشيات الطائفية في عمليات المناطق السنية ولاسيَّما في الأنبار، بعد أن باتت مجهزة بالسلاح الثقيل والمتوسط والخفيف، وهو ما يرفضه السنة خوفا من تكرار ما تعرضت له تكريت مؤخرا من عمليات النهب والسلب ونبش المقابر وخطف الأبرياء والقتل على الهوية وحرق المساجد وتدمير المصالح. أما المتحفظون من العرب السنة، فإن مبرر تحفظهم هو اختلافهم مع الإدارة الأمريكية أولا حول معاييرها المزدوجة، والتحدي الأمني لا يقتصر على التنظيم المتطرف داعش كما تنظر الإدارة الأمريكية، بل يشمل إلى جانب ذلك خمسة وأربعين فصيلا من المليشيات الطائفية الموالية لإيران، لا يختلف تهديد هؤلاء عن داعش، لا في الأيدلوجية التكفيرية ولا في سلوك التوحش. وثانيا خلافهم لم يكن على خطورة التنظيم المتطرف، بل حول الطريقة المثلى لمواجهته، بعد أن ثبت تاريخيا أن استخدام السلاح حصرا ما هو إلا خيار عقيم برغم كلفته العالية، والبديل الأنسب رزمة من الوسائل من بينها إلى جانب استخدام القوة ضد نوعي الإرهاب، داعشي أو مليشياوي، يأتي في المقدمة رفع الظلم الذي حاق بالعرب السنة وضرورة استعادتهم حقوق المواطنة التي حرموا منها على مدى أكثر من إحدى عشرة سنة. وهكذا بينما تطابقت المواقف تباينت المبررات، النخب الشيعية تدعي الحرص على وحدة العراق لكن غرضها الحقيقي المبطن والكامن وراء الرفض هو إضعاف السنة، انها لا تريد شريكا سنيا قويا، بل تريده تابعا ضعيفا لا حول له ولا قوة كما تسعى كخيار بديل إلى مد نفوذ المليشيات الطائفية في المناطق السنية التي ينحسر منها تنظيم داعش من أجل فرض واقع جديد في المناطق المحررة يتيح لها العمل على تغيير ديموغرافيتها والاحتفاظ بها مستقبلا (القصور الرئاسية في تكريت والدعوات بتوطين عوائل ضحايا سبايكر بالقرب منها مثلا).
كما ذكرنا، في لحن نشاز تحاول النخب الشيعية في تبرير رفضها للقرار أن تعزف على وتر وحدة العراق والسيادة الوطنية!، وهي تعلم قبل غيرها أن سيادة العراق ومنذ غزو عام 2003 باتت مستباحة في البر والبحر والجو ليس من جانب التحالف الدولي فحسب، بل من جانب دولة ولاية الفقيه، أما وحدة العراق.. فعليك أن تسأل القلوب قبل العقول، وتقرأ الأخبار بحسرة حيث الملايين من العرب السنة وهم يصطفون أمام مكاتب الأمم المتحدة في العالم في طوابير طويلة هربا من جحيم التطهير المذهبي وطلبا لملاذات آمنة. لا أدري عن أي عراق موحد يتحدثون، عن مجتمع متعدد القوميات والمذاهب والأديان.. بعد أن أصبح لدى العراق نفسه الملايين من المستضعفين. مشكلة الإدارة الأمريكية أنها براجماتية، تعطي جل الاهتمام لمن يمسك بالسلطة حتى لو كان على خطأ ويتحمل كامل المسؤولية في انعدام الثقة وأقصد حيدر العبادي ابتداء من نكوله بتعهداته للعرب السنة عشية تشكيله الحكومة، وتراخي قبضته على السلطة أمام أحكام قبضة المليشيات الطائفية على الملف الأمني. وانتهاء بالسماح بنفوذ غير مسبوق لإيران.
ومن جانب آخر، خلاف ترتيب البيت الشيعي برعاية الولي الفقيه، فإن البيت العربي السني مشتت لا راعي له، متنوع في الرؤية والموقف، وفي هذه الحالة يسهل على الإدارة الأمريكية نسبيا كما سهل على بريمر عام 2003 التعامل مع الشيعة، ولهذا صدرت أول التعليقات من الإدارة الأمريكية معترفة بسرعة وقوة ردة فعل النخب الشيعية بضمنها موقف حكومة حيدر العبادي ما يدفعها ربما لمراجعة نص القرار لاحقا لأنها أي الإدارة الأمريكية تبقى بأمس الحاجة لحكومة حيدر العبادي في تصديها للتنظيم المتطرف داعش، بينما ستحتار الإدارة المذكورة في تمييز الموقف السني الغالب كي تتعامل معه.
برغم أن القرار محصور بالتسلح فإنه يضع الجميع أمام اختبار جديد، حكومة حيدر العبادي أمام تنفيذ التزاماتها المعلقة مع العرب السنة وهي ذات طابع سياسي وحقوقي كشرط لمواصلة الدعم التسليحي، أما العرب السنة فعليهم أن يوحدوا صفهم ويحسموا أمرهم ويتفقوا.
لكن القرار بعد أن انفرد برفضه تحالف الكتل الشيعية يتيح للكرد والسنة العرب مستقبلا فرصة جديدة لتنسيق المواقف في القضايا المشتركة وبالتالي المزيد من القدرة في التأثير ورسم السياسات خصوصا ما يتعلق منها بحكومة العبادي أو النفوذ الإيراني أو التصدي للإرهاب والتطرف. الآن، تأكد الكونجرس الأمريكي مجددا من الموقف المتحيز لحكومة حيدر العبادي ضد العرب السنة ومن المتوقع أن يمضي في تشريع القانون إلى النهاية، أما العرب السنة فما عليهم إزاء ذلك إلا أن يكون لهم موقف موحد، وهو لن يتحقق من دون ترتيب البيت أولا وهذا لم يعد مطلبا ترفيا إنما هو ضرورة ومسؤولية ليست فقط من أجل حماية مصالح المكون بل من أجل العراق، وإن لم تفلح الجهود الداخلية في تحقيق ذلك كما حصل سابقا، فإن المشروع الجامع برعاية عربية خليجية يبقى هو الحل الأمثل لمعالجة هذه المعضلة المزمنة.
* نائب رئيس جمهورية العراق سابقا