علّق المسؤول الأميركي الكبير والمهم السابق نفسه، الذي تعاطى مع مناطق العرب والمسلمين وغيرها ولا يزال ناشطاً بينها وبين واشنطن، على موقفي المستغرب قرار مصر بناء عاصمة جديدة لها، قال: “أنا معك ولذلك استغربت الخبر”. قلتُ: الرئيس السيسي يحارب الإرهاب وبقوّة وهذا مطلوب ومُقدَّر. لكنه يفعل في الوقت نفسه شيئاً قد يزيد عدد الإرهابيين في بلاده، وربما يحوِّل “الإخوان المسلمين” إرهابيين. “داعش” تنظيم حديث السن، أما “الإخوان” فعمرهم في مصر يزيد عن ثمانية عقود. استمرار ضربهم واتهامهم بالإرهاب وكل عمل إرهابي يحصل في البلاد سيخلق فوضى واضطرابات فيها. أنا مسيحي وعلماني ولا يمكن أن أكون “إخوانياً”، ولا أقبض مالاً منهم أو من غيرهم كما عادة عدد من الصحافيين مع جهات سياسية عدة. لكنني أخاف على مصر كبرى الدول العربية التي يحتاج العرب إلى أن تستقيم أمورها وتستعيد دورها القومي. يقول قريبون من “الاخوان” انه كان وعد بالافراج عن السجينات المنتميات إلى “جماعتهم” وهنَّ بالآلاف. لكنه لم يفِ بوعده. دفع ذلك “القيادة” إلى اتخاذ قرار بملء الشواغر القيادية “الإخوانية” بعد سجن الكثير من الكادرات وهرب الباقين، وتحديداً من الشباب الذين يكونون عادة متحمّسين وربما متهوّرين. ودفعها أيضاً إلى قرار آخر هو السماح لأعضائها وأنصارها بالاستمرار في النزول إلى الشارع، وبمعاملة قوى الأمن والشرطة بشيء من العنف. وذلك لا بدّ أن يؤدّي إلى صدام كبير. علّق: “ما تقوله صحيح. لكن ربما يعتمد السيسي على كون الشعب المصري صبوراً”. ردّيت: كان صبوراً. صبر منذ 1952 حتى 2011. بعد ذلك لم يحتمل فنزل إلى الشارع وأسقط الرئيس حسني مبارك، ثم نزل إليه مرة ثانية بعد سنة وأسقط الرئيس “الإخواني” محمد مرسي. وهو أي الشعب لا يزال في الشارع في شكل أو في آخر. وهو يعتقد أنه يستطيع أن يكرر ما فعله مرتين. لم يعد يخاف. في اختصار ورغم كل أخطاء “الإخوان” ورغم “أجندتهم” المخفية ورغم جوعهم إلى السلطة لا بل إلى التسلّط فإنهم أكثر اعتدالاً من الإسلاميين الذين فرّخوا في القرن الماضي (“القاعدة”) والذين حمل بهم “القاعدة” في السنوات الماضية. ولا مفر من الاعتماد عليهم لمواجهة العنف والتكفير عند التيارات الإسلامية التي تنمو كالفطر في العالم الاسلامي. علّق: “يمكن القول إنهم “أرثوذكسيون”. على كل هل تعرف من أنشأ “داعش” و”القاعدة” في العراق (الزرقاوي)؟ نحن الأميركيون. طبعاً لم يكن ذلك بقرار طوعي ومتعمَّد منّا ولكن نتيجة أعمالنا. وهل تعرف من أنشأ “داعش” في سوريا والتنظيمات المماثلة له؟ إنه حافظ الأسد، الأسد الأب وذلك بعد تصرُّفه المرعب في مدينة حماة السورية عام 1982. يومها لم يُدرك هو ولم ندرك نحن كذلك خطر هذا الأمر مستقبلاً. بعد ذلك بدأ بناء المساجد والجوامع بموافقة من السلطة. وحصل تساهل مع الإسلاميين ولا سيما بعدما خلف بشار الأسد والده في رئاسة سوريا وقيادتها. فصاروا بذلك خارج السيطرة. على كل حال زار مسؤول أميركي رفيع هو نائب وزير الخارجية قبل سنوات وأيضاً قبل “الربيع العربي” الرئيس بشار الأسد وطلب منه أموراً ثلاثة. الأول تسليم أميركا إرهابياً ينتمي إلى “القاعدة” كان عنده أي تحت قبضته، فوافق. ثم قيل لنا بعد وقت قصير إنه هرب. لكنه أعيد إلى السجن ثم سُلِّم إلى أميركا. والثاني عدم التدخل في استحقاق انتخابي (لبنان) كان موعده قريباً. وعد مع التأكيد أن سوريا لا تتدخل في ذلك. وبدا لاحقاً أن التدخل لم يكن سافراً. أما الأمر الثالث فكان إحكام سوريا السيطرة على حدودها مع العراق لمنع الإرهابيين من التسلل اليه عبر سوريا. فكان جوابه: “لا استطيع”. ردّ نائب وزير الخارجية الاميركي: “يعني ذلك أنك لا تريد”. ردّ: “نعم”. وعند انتهاء الاجتماع وأثناء خروج الأسد وزائره الأميركي من القاعة شدّ الأسد “كمّ جاكيت” ضيفه لافتاً انتباهه إلى رغبته في إبلاغه شيئاً من دون أن يسمعه الآخرون، ثم انحنى صوبه وهمس في أذنه: “لا استطيع”. فاعاد المسؤول الاميركي كلامه: “يعني كلامك أنك لا تريد أن تفعل ذلك ولن تفعله”. فكرر الأسد ما قاله قبل قليل وبلهجة شبه يائسة: “لا استطيع (I can’t)”. على كل حال لا يزال الأسد موجوداً، بفضل إيران وميليشيات شيعية ابرزها “حزب الله” اللبناني وأخرى عراقية. لكن القرار لم يعد له بل صار لإيران. لم يكن الأمر كذلك مع والده حافظ الأسد”. علّقت: سمعت من البعض في واشنطن أن بشار الأسد لا يطلع بيده شيء، وأن هناك لجنة هو واحد من أعضائها تتخذ القرارات. بماذا علّق على ذلك؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb