تتميز التحركات التي قام ويقوم بها الحوثيون بالضياع الكامل وعدم الانسجام، مما يجعل منهم عنصرا أساسيا في الأزمة والحرب التي تغرق اليمن.
يحتار المراقب والمحلل السياسي من طبيعة الحركة الحوثية واستراتيجياتها ومداها وأهدافها وغاياتها القصوى، ومن المعروف أن أي حركة بلا هدف ليست أكثر من حركة فوضوية لا تقود في النتيجة إلى شيء ملموس على الأرض.
لا بد من التأكيد أن الحوثيين جزء من المشكلة ولكنهم ليسوا كل المشكلة، فإلى جانب الحوثيين هناك مصائب حلت باليمن بسبب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والتنويعات القبلية والعشائرية المتعددة إضافة إلى الأحزاب السياسية التي لم تكن في معظمها أكثر من تكتلات عشائرية بأسماء براقة، وعلى رأس هذه الأحزاب بالطبع حزب الإصلاح الذي يعتبر الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، وهناك أيضا المؤسسة العسكرية التي حولها علي عبد الله صالح إلى مؤسسة عائلية، أقرب إلى “شركة” يقودها الأبناء والأقارب.
وإلى جانب هذه “التنويعة” الداخلية، هناك دول إقليمية مؤثرة كانت تلعب باليمن، وهي جزء لا يتجزأ من “صناعة المصائب” التي حلت باليمنيين، وأيضا القوى الدولية التي ترى في اليمن موقعا لابد من السيطرة عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، ويبقى بالطبع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يعتبر أحد اللاعبين الأساسيين وأحد “صانعي المآسي” لهذا البلد المنكوب.
إذا وضعنا جميع هذه الأطراف جانبا وسلطنا الضوء على الحوثيين الذين يطلقون على أنفسهم اسم “أنصار الله” لوجدنا أن حركة هذا التنظيم غارقة في الأخطاء المميتة، وأول هذه الأخطاء اعتقادهم أو ظنهم أنهم يستطيعون أن يحكموا اليمن وهم يشكلون فيه أقلية، وأيا ما كانت هذه النسبة فإن الأقلية لا تستطيع أن تحكم أكثرية، حتى لو امتلكت القوة، أما ثاني هذه الأخطاء فهو لجوء الحوثيين إلى دفع الجميع إلى الحوار تحت تهديد السلاح، وفرض آرائهم وشروطهم بالقوة على الآخرين، وقد نجحوا بفرض أجندتهم على مؤتمر الحوار، واستطاعوا انتزاع تنازلات كبيرة من الجميع، بمساعدة من الأمم المتحدة وأطراف إقليمية ودولية، لكنهم على الرغم من ذلك ارتكبوا الخطأ الأكبر أو الخطيئة القاتلة باستيلائهم على العاصمة اليمنية صنعاء عسكريا، واعتقال الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة بطريقة لا يمكن فهم مغازيها ولا مراميها الاستراتيجية، لأن المعادلة هي: إذا كان الحوثيون قادرين على تحقيق كل ما تريد أو معظمه على الأقل سليما وبرضا الأطراف الأخرى “ولو مكرهين”، فلماذا قاموا باللجوء إلى القوة وهم يأخذون ما يريدون بهدوء؟
هذه واحدة من الحماقات التي ارتكبها الحوثيون وساهمت بدفع اليمن إلى مستنقع من الحرب المفتوحة، ولا تفسير لها سوى أن هؤلاء الناس يفكرون بعضلاتهم ولا يفكرون بعقولهم، وأن امتلاك القوة أغراهم بتغييب العقل لصالح الممارسات اللاعقلانية غير المفهومة وغير المنضبطة.
هذا الفعل الحوثي أدى إلى إثارة الجيران ودفعهم إلى شن حرب “لقصقصة أجنحة” الحوثيين، مما وضع الحوثيين واليمن بل والمنطقة كلها في مأزق استراتيجي كبير، وهو المأزق الذي يبدو أن الحوثيين شعروا به، وهذا ما دفع أحد قيادييهم للقول إنهم يقبلون بالعودة إلى طاولة الحوار إذا وقف القصف الجوي في إطار العملية العسكرية “عاصفة الحزم”، ودفع الإيرانيين إلى الطلب من سلطنة عمان إلى الوساطة من أجل وقف الحرب.
ليس هناك غباء سياسي واستراتيجي يفوق غباء أن تخوض حربا من أجل أن تحصل على ما هو موجود بين يديك، فالحوثيون يخوضون حربا من أجل “الحوار” الذي كان موجودا، ويشترطون وقف حرب هم بدأوها .