عروبة الإخباري – تواصل فعاليات مهرجان ربيع الشعر العربي في الكويت بإقامة ندوة تكريمية للشاعر الكويتي راشد السيف (توفي عام 1972م)، بتقديم ورقتين تعريفيتين به، ألقاهما حفيده نائل السيف، والباحث د. يعقوب يوسف الغنيم، الذي كان تلميذا للشاعر في مطلع حياته، محتفيا بصدور المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر، بعد أن عمل على تحقيقها ومراجعتها لغويا ومطابقتها مع النصوص الأصلية للشاعر، صدرت بعنوان «السيفيات» في ثلاثة مجلدات، وبحسب ما عبَّر حفيده وائل فإن ديوانه كان عبارة عن تسعة دفاتر، محفوظة في الخزائن الخاصة بالأسرة، وفي منتصف الثمانينات استلمها من أسرته، وكان عددها تسعة مجلدات، فضاع منها المجلد الأخير، والمجلدات الثلاثة المطبوعة للشاعر هي الحصيلة للشعرية للمجلدات الثمانية المكتوبة بخط اليد، المتبقية من تركة الشاعر. وأضاف: كنت صغيرا جدا، ولذلك فهو في ذاكرتي اليوم أشبه بالخيال، ومع ذلك بقيت محافظا على تركته الشعرية التي استلمتها من الأسرة، حتى منَّ الله علينا بهذه التكريم من قبل مؤسسة عبدالعزيز البابطين، لأرى حلم جدي يتحقق، وتصدر سيفياته مطبوعة، ولتكون بين يدي القارئ العربي.
وتحدث د. يعقوب الغانم، في كلمة ألقاها بيني يدي الحضور أن صدور السيفيات كانت حلما بالنسبة للشاعر راشد السيف، ولذلك كان يتابع جمع قصائده، ويقوم بنسخها بخط جميل، بعد أن أمضى عددا من السنين وهو يقول الشعر في شتى المناسبات، وكان يشارك إخوانه شعراء الكويت من معاصريه في كل محفل، من أمثال صقر الشبيب وفهد العسكر ومحمود شوقي الأيوبي وداود سليمان الجراح وغيرهم، كما كان حريصا على شعره، فلم نره قد ضيع شيئا منه، وكان إلى حين وفاته كنزا محفوظا لم تمتد إليه يد، فتنقص من قدره أو من قصائده.
خطوات التلميذ مع الأستاذ
وأضاف د. الغانم: إن الشاعر راشد السيف هو أستاذي، منذ أن بدأت أخطو خطواتي الدراسية الأولى، في المدرسة النظامية الثانية في الكويت، وهي المدرسة الأحمدية، وقد كان ناظرها، وكان حريصا علينا أن يمدنا بالمعلومات ويحنو علينا.
وقال أيضا: بدأ عندي الاهتمام بشعره، حيث اتفقت معه على اللقاء، وفي هذه الجلسات عرفت أنه ليس من الشعراء الذين لا يهتمون بما يكتبون، بل هو يحتفظ بكل بيت قاله منذ أن بدأ السير في طريق الشعر.
وقال أيضا: من يطلع على ديوان السيفيات فإنه سوف يرى في قصائده كثيرا من الأمور، التي تضع أمام عينيه نماذج للأحداث التي مرت بالكويت، وسوف يرى مدى علاقاته بكثير من الناس في داخل الكويت وخارجها، وباعتباره معلما فإننا نلاحظ مدى اهتمامه بالتعليم وبالأنشطة التي تقوم بها المدارس أو دائرة معارف الكويت.
في شعره نغمة عربية، تحدث فيها عن كل ما يجري في بلاد العرب، منذ حرب طرابلس الليبية ضد إيطاليا، إلى حرب بورسعيد المصرية سنة 1956م، إضافة إلى اهتمامه بالدعوة إلى المؤازرة بالنفس والمال، لأنه يرى أن وقوفنا مع أمة العرب إنما هو وقوف مع أنفسنا.
وقال الغنيم: إن الشاعر السيف وثق كل الأحداث التي تحصل داخل الكويت وخارجها بقصيدة شعرية، حتى أنه في أواخر عام 1954م هطلت أمطار غزيرة على الكويت، كان لها أثرها الضار على الناس، فوثق ذلك في قصيدة، كما كتب قصيدة عن الفنان في الرسم معجب الدوسري، الذي كتب فيه قصيدة يقول في بعض منها:
معجب أنت وأنت المعجب .. رضي القوم به أم غضبوا
أنت رسام الكويت الوطني .. شهد الأعداء فيمن كذبوا
وعدَّد الغنيم في سياق ورقته كثيرا من الأحداث التي أرَّخ لها الشاعر راشد السيف، متجاوبا مع المشاريع التي كانت تقام خلال تلك الفترة، وبالأخص المشاريع المتعلقة بالجوانب الإنسانية.
وباعتباره معلما كتب الكثير من القصائد التي يعبر فيها عن وفائه لمهنته التدريس وحبه لهذه المهنة السامية، من بينها قصيدة منها:
لولا المعلم ما استقلت أمة .. كلا ولا سارت على الأحكام
لولاه ما كان التقدم سالكا .. نهج التجدد للعلا بنظام
لولاه ما رفعت لحق راية .. في الشرق أو في الغرب عن إرغام
وكان راشد السيف متفاعلا مع الأحداث التي كانت تشهدها المنطقة العربية، من بينها الاعتداء الثلاثي الشهير الذي جرى على مصر في سنة 1956م، وأضاف إلى هذه القصيدة قصيدة أخرى في الموضوع نفسه، منها:
الحرب في بورسعيد .. حرب لها شاب الوليد
حرب أراد بها الفنا .. من كان جبارا عنيد
لكنها صمدت فلم .. تخضع لنار من حديد
وكتب في الثورة الليبية التي قامت في طرابلس، ضد الاحتلال الإيطالي، فقال عنها:
تصيخ غياثا ليتني كنت عندها
أجود بنفسي لست بالمال أقنع
فيا ضيعة الإسلام إن دام وهنهم
على ضيعة الآمال والحق يسمع
وفي ختام ورقته أكد د.يعقوب الغانم أن الشاعر راشد السيف أحد الشعراء الذين عبروا بقلمهم الشعري عن ضمير الأمة، ووثق لكثير من الأحداث التي حصلت داخل الكويت وخارجها، مؤكدا أن الشاعر على تفاعل مع الأحداث والمناسبات، ويكتب بحبر مشاعره.
السيفيات في ثلاثة أجزاء
يقع ديوانه المطبوع والذي يحمل عنوان السيفيات في ثلاثة أجزاء من الحجم الكبير، تمت طباعته بحسب ترتيب الشاعر لقصائده ترتيبا زمنيا، حيث بدأ بالأقدم فالأحدث، وأكثر نتاجه في عقد الخمسينات الماضية، ومن يقرأ شعره سوف تتكشف له بانوراما واسعة، تضم صداقات ومشاركات عديدة للشاعر راشد السيف، فقد كان لا يفوت على نفسه المساهمة بقصيدة في أية مناسبة، كالأعراس والمآتم والزيارات والهدايا، ومن يتتبع شعره يجده متفاعلا مع مجتمعه، وهو بقصائد خدم الناس الذي كتب عنه، فهم من المغمورين، ولكنهم أصبح لهم حضور في ديوانه الشعري، يشعر أحفادهم بالفخر، حيث عبر الشاعر راشد السيف عن أحد من أجدادهم، أو كانت له معهم صداقات.
وبحسب الكلمة التي كتبها الشاعر عبدالعزيز البابطين في تقديمه للديوان، فإن من يتصفح «السيفيات» يجد أن الشاعر لم يترك غرضا شعريا من أغراض الشعر العربي إلا وينظم فيه أجمل القصائد وأعذبها، فنجد له الشعر الوطني والقومي والإسلامي، وفي الرثاء والمديح والوصف، وشارك الشاعر أمته أفراحها وأتراحها.
ويمتاز شعره ببساطة الجملة الشعرية، وقدرته على تطويع الجملة الشعرية وكتابة القصيدة لتغطي مختلف الأغراض، فهو شاعر نظام، ولكنه نظام في الجانب الإنساني والاجتماعي، ولا تجد في قصيدته تكلفا، كما أنه لا يهتم كثيرا بالصورة الشعرية، حيث تأتيه القصيدة طواعية، ويسلم قياد النظم إلى الفكرة التي تواتيه حين كتابة قصيدته، ومع ذلك فالجمال اللغوي يتخلل أبيات قصائده.
من شعره هذه القصيدة الغنائية التي ألقيت في المدرسة المباركية، بمناسبة استقبال العام الهجري الجديد 1366هـ، حيث يقول:
بلبل الأنس تغنى .. بنشيد فاق معنى
صوته عذب رخيم .. مطرب ينعش مضنا
نغمة نافس فيها .. معبد الفنان فنا
جاوز المعقول حسا .. أسحر اللفظ ومعنى
سجدة الإكبار أدت .. فرض ما عنه قعدنا
حوله الأطيار تشدو .. عندما يسمع لحنا.
أمسية شعرية على شرف السيف
لم يكن بالطبع راشد السيف حاضرا، حيث توفي عام 1972م، ولكنه كانت روحه الشعرية محلقة كفراشة بين الحضور، وتفاعلا مع هذه الاحتفائية أقيمت أمسية شعرية بعد الندوة التعريفية بالشاعر أدارتها الدكتورة نرمين الحوطي، شارك فيها شعراء من مختلف الأقطار العربية، شارك فيها من السلطنة كل من الشاعر غصن بن هلال العبري الذي قرأ قصيدة شعرية تشارك في نظم مبناها تسعة من الشعراء العمانيين، في صدارتهم الشاعر محمد بن عبدالله الخليلي، والذي أسهم بنظم أول بيتين في القصيدة، حيث تقول:
حملنا يا كويت لك القلوبا .. من الأشواق توشك أن تذوبا
دعاها البابطين فما استقرت كأن فتح الجنان وقال طوبى.
وقرأ الشاعر سعيد بن محمد الصقلاوي قصيدة طويلة من جديد شعره، عنوانها: «قصيدة نورة»، ومنها:
أتحسس اسمك ألمسه
حرفا، شكلا، لونا
جسدا، روحا، يمنا،
أتمعنه فنا،
أراقصه مرحا، وأنادمه فرحا،
وأزهِّره معنى
وتهدهده القيثار، تغنيه لحنا.
وشارك الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين صاحب المؤسسة المحتفية بالشعراء، بقراءة قصيدتين من شعره، تنوعت بين الغزلي والإنساني، كما قرأ من الكويت الشاعر خلف الخالدي، وطلال الخضر ومشعل الزعبي، ومن مصر عبدالمنعم سالم وفاروق شوشه، ومن السعودية حيدر العبدالله، ومن العراق إياد أحمد هاشم، ومن سوريا محمد خميس.