أظهرت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة الوجه العنصري الحقيقي لبنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي؛ ليس للجانب العربي -إذ إن مواقف هذا اليمين واضحة للعرب منذ زمن بعيد- وإنما للمجتمع الدولي. وقد سقطت ورقة التوت أخيراً.
ففي محاولة يائسة، وناجحة في الوقت نفسه، اضطر نتنياهو للكشف عن عنصريته الواضحة، لدفع ناخبيه نحو التصويت؛ فألقى التزاماته المفترضة بإقامة دولة فلسطينية في مهب الريح، وتفوه بعبارات عنصرية ضد “فلسطينيي 48” التي ما فتئت إسرائيل تدعي أمام العالم أنهم مواطنون كاملو الحقوق. وقد نجحت، للأسف، هذه العنصرية في استقطاب عدد كبير من الناخبين العنصريين، ما أدى إلى نجاح حزب الليكود، بخلاف ما توقعته كل استطلاعات الرأي السابقة على الانتخابات.
ومن مفارقات هذه الانتخابات أن أفيغدور ليبرمان الذي حاول تقليص عدد المقاعد العربية في الكنيست؛ عن طريق زيادة نسبة الحسم، أجبر الأحزاب العربية على الدخول في قائمة موحدة، أدت لحصولها على ثلاثة عشر مقعدا، متبوئة المركز الثالث في الكنيست، وبثقل غير مسبوق، فيما تدهور حزب ليبرمان ليحصل على ستة مقاعد فقط، مقارنة بأحد عشر مقعدا في الكنيست السابق.
من الصعب اليوم تجاهل خلاصة أن حل الدولتين قد انتهى. وإن كان لدى أحد شكوك بشأن هذا الموضوع، فإن الانتخابات الإسرائيلية وموقف نتنياهو المعلن قد حسما هذه الشكوك، بغض النظر عن محاولته اللاحقة والكاذبة لتفسير موقفه. وهذا يعني أردنيا الحاجة إلى إعادة نظر جذرية في الموقف الأردني، بل والعربي، من كيفية حل النزاع العربي-الإسرائيلي، ومن الحكومة الإسرائيلية الجديدة. إذ لا يستطيع الأردن والعالم العربي قصر موقفهما على المطالبة بحل الدولتين، بينما إسرائيل تقول صراحة إنها ستمنع تحققه، وتواصل سياسة استيطانية توسعية منعت عمليا مثل هذا الحل منذ زمن.
الخيار الأردني قصير المدى هو منع قيام حل للنزاع العربي-الإسرائيلي على حسابه. إذ لا يساور أحد الشك بأن إسرائيل ستحاول ذلك، بل إن مسؤوليها في الحكومات الإسرائيلية السابقة بقيادة نتنياهو لم يتوقفوا عن الترويج لدور أردني في الضفة الغربية منذ سنوات. لكن الموقف الأردني، بشقيه الرسمي والشعبي، متماسك ضد ذلك. فموقف جلالة الملك واضح وضوح الشمس في رفضه لهذه المحاولات. كما أن مكونات المجتمع الأردني كافة ترفض ذلك جملة وتفصيلا.
المطلوب اليوم خطة أردنية –وعربية- واضحة، يلتف حولها المجتمع الأردني كاملا، كما المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويساندهما في ذلك القوة الجديدة لفلسطينيي الداخل في الكنيست، لمنع أي محاولة إسرائيلية لفرض حالة من الأمر الواقع، قد تؤدي -لا سمح الله- إلى إنهاء حلم الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على ترابه الوطني. وهذه ليست دعوة لردود عاطفية أو دبلوماسية منمقة، بل لخطة مدروسة وممنهجة، يتحد فيها الشعب خلف جلالة الملك، ويُحشد لها الدعم العربي والدولي، تشمل تعاملا جديدا، وبمنتهى الصراحة، مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة، ضمنه إعادة النظر في اتفاقية الغاز. فمن المهم عدم التعامل مع الحكومة الإسرائيلية وكأن شيئا لم يكن، وعدم الاستمرار في وهم إعادة الإسرائيليين النظر في موقفهم بعد الانتخابات، كما عدم إعطاء الذرائع لنتنياهو أمام المجتمع الدولي بأن هناك أملا لعملية سلمية بات واضحا أنها وصلت إلى نهاية الطريق.
على المدى البعيد، أطلق نتنياهو عمليا مشروع الدولة الواحدة. فإذا كان لا يريد دولة فلسطينية، فدعوه يتعامل مع الحقائق. وإن لم يستطع الفلسطينيون إقامة دولتهم في الاراضي المحتلة العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، فليبدأوا بالمطالبة بحقوق سياسية ومدنية متساوية داخل الأراضي التي يعيشون فيها تحت السيطرة الإسرائيلية. واليوم، فإن عدد اليهود والفلسطينيين في هذه الأراضي متساو عند ما يقارب ستة ملايين شخص لكل منهما.
لن تستطيع إسرائيل ممارسة حكم الأقلية العنصري ضد الأغلبية إلى ما لا نهاية. وإن لم ترد حل الدولتين، فلتتعامل مع حل الدولة الواحدة.