اتصل الرئيس باراك أوباما نهار الجمعة الماضي بنظيره الفرنسي فرنسوا هولاند لطمأنة الجانب الفرنسي إلى أن أي اتفاق حول النووي الإيراني ينبغي أن يكون صارماً وصلباً لمنع إيران من تطوير السلاح النووي. وتم اتصاله هذا لأن الولايات المتحدة قطعت شوطاً متقدماً جداً في محادثاتها الثنائية مع إيران، وتخوفت من رفض فرنسي على غرار ما جرى عندما رفض الرئيس جاك شيراك خوض الحرب الأميركية في العراق.
وسيحضر وزراء خارجية الدول الست التي تتفاوض مع إيران حول الملف النووي إلى لوزان يوم السبت المقبل في حين أن وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف سيبدآن بعد غد الخميس محادثاتهما الثنائية. ومن الواضح أن الأوساط المسؤولة في باريس لا تثق بما تفعله الإدارة الأميركية ثنائياً مع إيران طالما أنها ليست على اطلاع على حقيقة ما يجري. فأي اتفاق على النووي الإيراني بين إيران والدول الست سيكون له تداعيات كبرى على العلاقة الأميركية – الإيرانية، وسيعطي زخماً للعلاقات الاقتصادية بين البلدين. فقطاع الأعمال الأميركي سيهرول إلى طهران لبيع القطع والمعدات الأميركية التي منعت حتى الآن في إيران. وستبدأ مرحلة جديدة بين البلدين مع واقع سيفرض نفسه، فواشنطن ستغض النظر عن ممارسات عدة تقوم بها طهران في منطقة الشرق الأوسط. فالعقوبات الاقتصادية على إيران الآن لا تمنع النظام الإيراني من تمويل النظام السوري و «حزب الله» لقتل الشعب السوري، فكيف عندما ترفع العقوبات ويتاح لإيران الحصول على عائدات أكبر من النفط والصادرات الأخرى؟ فالقدرة التمويلية لإيران سترتفع ليس كما يدعي النظام لمساعدة الشعب بل لإعطاء المزيد من القدرات لدعم بشار الأسد والحوثيين في اليمن وحلفائهم في العراق وربما للتوسع في مناطق أخرى.
واشنطن تدعي أنه إذا تم الاتفاق حول النووي الإيراني فسيكون بإمكانها التحاور والضغط على طهران في شأن سياساتها في المنطقة. والمشكلة أن سياسة أوباما في الشرق الأوسط خيبت الآمال، وأفقدت الوعود الأميركية أي صدقية حتى من حلفائها. فحتى عندما يتصل أوباما بهولاند، هناك يقين لدى الجانب الفرنسي أن لا أحد يعرف إلى أين وصلت واشنطن مع طهران في المحادثات الثنائية، إضافة إلى أن غياب أي استراتيجية للسياسة الأميركية في سورية يبعث على المزيد من التشكيك بأوباما وسياسته في الشرق الأوسط.
إن نفوذ إيران التخريبي في لبنان وسورية والعراق واليمن، يزيد يوماً بعد يوم من دون أي تصدّ له من الدولة الكبرى أميركا. وسياسة فرنسا في المنطقة قائمة على تحالف فعال ومثمر في الخليج ومبني على علاقات ثقة بين الرئيس هولاند والقيادات في السعودية والإمارات وقطر والكويت، وهذه الدول بمعظمها قلقة من توسع التخريب الإيراني في المنطقة مع مخاوف من أن أوباما ماض قدماً في سياسته الإيرانية.
لقد حذرت فرنسا من صفقة حول النووي الإيراني واطهرت أنها غير راضية عن فترة استمرار هذا الاتفاق، وعن عدم مراقبة برامج إيران للبحوث والتطوير في مجال النووي ورفع عقوبات مجلس الأمن عن إيران. والسؤال: هل يتم اتفاق في لوزان في نهاية الأسبوع من دون توقيع فرنسا أم إن إيران ترفض التنازل للنقاط التي تصر عليها باريس؟ سنرى في الأيام القليلة المقبلة إذا تحقق هدف أوباما أن يدرج اسمه في تاريخ الولايات المتحدة بأنه أعاد العلاقة مع النظام الإيراني الذي احتجز الرهائن الأميركيين، وكان أول من صدّر ثورة إسلامية في الشرق الأوسط مع كل المآسي التي تبعتها في لبنان وسورية والعراق والآن اليمن.