اتضحت الآن نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي، بشكل جلي يُمَكِننا من قراءة الصورة التي رسمتها هذه الانتخابات للسنوات الأربع القادمة، ما لم يحصل شيء غير متوقع خلالها، وأحدى أهم هذه النتائج ذهاب المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بشكل أكثر وضوحا وإصرارا، وهذا يعكس المزاج العام الإسرائيلي بعدم رغبتهم في التوصل إلى حل مع الفلسطينيين قائم على أساس حدود العام 1967، لا بل التنكر التام للحقوق الفلسطينية.
كل ذلك يمكن أن يكون ليس بجديد، ولكن تم التأكيد عليه من خلال مسارات التصويت، ومن خلال ما حصلت عليه الأحزاب اليهودية تحديدا، وحزب الليكود على وجه الخصوص، وليس بصدفه توجه الناخب اليهودي نحو الليكود بل كان هناك أساسا لذلك يمكن أن نقول أنها التصريحات التي أطلقها رئيس الحزب بنيامين نتنياهو وفحواها أنه وفي حال أن تم انتخابه لولاية جديدة فلن يسمح بقيام دولة فلسطينية، وأن انتخاب أحد غيره حتما سيكون بداية النهاية للحلم اليهودي، مما يعكس وبشكل واضح أن الإسرائيليين لا يريدون سلاما ولا أمنا، بل يريدون أن يستمروا في العيش كدولة احتلال، ودولة تسير بخطى سريعة نحو تأسيس نظام فصل عنصري سيقضي على حل الدولتين، وأي فرصة لإنهاء الصراع وفق القرارات الدولية ذات العلاقة.
ما سبق لا ينفي أنه وفي حال أن فاز المعسكر الصهيوني كان سيتغير الوضع بشكل كبير، فكل الأحزاب اليهودية تتماثل في لاءاتها، والتي فحواها نفي قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، فالجميع هناك متفق بأنه لا تنازل عن القدس “الموحدة” وتحت السيطرة الإسرائيلية، ولا تنازل عن الأغوار، ولا عودة لحدود الرابع من حزيران، ولا عودة للاجئين، وهذا يؤكد على أن رئيس الوزراء مهما كانت خلفياته السياسية والفكرية سيبقى محكوما و/أو وفيا لهذه الاءات.
ما يمكن قوله استنادا إلى هذه النتائج بأن الوجه الحقيقي للأحزاب اليهودية قد ظهر بشكل واضح من خلال الشعارات الانتخابية التي طرحوها، والأفعال التي مارسوها خلال حملاتهم الانتخابية، والتي من أهمها التنافس على إعطاء الوعود بمزيد من الاستيطان، والتهويد، والسيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة في مدينة القدس المحتلة، ولا بد من الإشارة إلى أن نتيجة انتخابات الكنيست ستفتح المجال واسعا للتقسيم الفعلي للمسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، ووتيرة أسرع في تهويد معالم القدس.
كذلك واستنادا لذات النتائج، فإن فلسطينيي الداخل، ومن خلال القائمة المشتركة، والتي أيدنا فكرة قيامها منذ البداية، استطاعوا إحداث اختراق تاريخي مهم لصالح تثبيت وجودهم في الكنيست ككتلة واحدة، وكخطوة أولى في طريق استكمال تحصيل حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهنا لا بد من الإشارة أيضا إلى حقيقة مهمة بأن وجود القائمة المشتركة، وبغض النظر عن أنها الكتلة البرلمانية الثالثة في الكنيست، فإنه كان من المتوقع أن لا يتم إشراكها في أي حكومة سواء كانت طبعا يمينية أو حتى من يسار الوسط لأن العقلية التي تعمل بها دولة إسرائيل، ومنذ تأسيسها، قائمة على عدم إشراك الصوت العربي في تقرير مستقبل إسرائيل، لذلك فإن الوجود العربي في الكنيست هو أمر ضروري وملح لخدمة مصالح الفلسطينيين في الداخل وهذا الشيء الايجابي والذي نعول عليه في حماية الوجود الفلسطيني وتثبيته على أرض أجداده، ومن أجل وضع الأمور في نصابها وعدم تحميل القائمة المشتركة ما لم تحتمل فلم يكن مطلوب أو متوقع منها تغيير المعادلة السياسية داخل إسرائيل.
أعتقد بأن أحدا لم يكن يعول جديا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية في الدفع نحو تحصيل الحقوق الفلسطينية، وإن البعض القليل كان يعول على أن نتائج مغايرة كان يمكن لها أن تدفع باتجاه استئناف المفاوضات، التي جربناها على مدار أكثر من عشرين عاما تحت مسمى “عملية السلام” ولم تخرج بنتيجة سوى مزيدا من القتل والاعتقال، والاستيطان ومصادرة الأراضي، وتهويد واسرلة القدس، وأربعة حروب على قطاع غزة، ومزيدا من التنكر للحق الفلسطيني، وإطالة عمر الاحتلال.
فشلت المفاوضات على مدار السنوات الماضية، وأظهرت نتائج انتخابات الكنيست توجه الشارع الإسرائيلي نحو مزيد من العنصرية، ومع هذا ترسخت حقيقة أن اتفاق أوسلو قد انتهى فعليا، وما يمكن أن يكون بعد كل ذلك هو أن يأخذ الفلسطينيون زمام المبادرة الآن، وأن يواصلوا خطواتهم نحو ترميم البيت الداخلي الفلسطيني، وعلى رأس أولويات هذه المهمة هي طي صفحة الانقسام، وما ترتب عليه من إفرازات أضعفت الوضع الداخلي الفلسطيني، والشروع الفوري بتنفيذ اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة في أيار 2011، لنتمكن من مجابهة ما هو قادم من سياسات وأفعال من قبل الحكومة الإسرائيلية التي ستكون عنصرية بسياسات أكثر تطرفا مما مضى، وإجراءات تهدف إلى الإسراع في القضاء على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967.
وأيضا الاستمرار في خطوات إعادة تدويل القضية الفلسطينية، واستكمال الانضمام للمؤسسات والمعاهدات الدولية، والبدء الفعلي بالتعامل مع محكمة الجنايات الدولية، وتطبيق باقي القرارات التي خرج بها اجتماع المجلس المركزي الأخير، والتي هي جزء مهم لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، والتي أساسها، التمسك المطلق بالثوابت الفلسطينية، وتحقيق المصالحة، ودعم وإسناد المقاومة الشعبية ومقاطعة الاحتلال، ودعم صمود القدس، ورفض فكرة الدولة اليهودية، ووقف التنسيق الأمني، وإعادة اعمار قطاع غزة، وتحميل دولة الاحتلال تكلفة احتلالها.
أما على الصعيد العربي فالمأمول الآن من الدول العربية، ورغم ما يواجهها من تحديات وصعوبات داخلية وخارجية، أن تلتفت قليلا للواقع الجديد الذي يهدد ليس فقط المشروع الوطني الفلسطيني، بل أيضا مستقبل المنطقة بشكل عام، لأن نتائج الانتخابات الإسرائيلية تتعدى ارتداداتها الوضع الإسرائيلي والفلسطيني لتصل إلى التأثير في الوضع العربي، والمطلوب هو عدم التجاوب مع أي مقترحات أو مبادرات تطرحها الحكومة الإسرائيلية القادمة للقفز عن منظمة التحرير الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل التأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا الشيء ينطبق أيضا على الدول الإسلامية، والتي نعول عليها أيضا في استمرارها بالتمسك بهذه المبادرة التي اقرتها منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2003، في طهران بعد أن كان مؤتمر القمة العربية عام 2002، في بيروت قد وافق عليها.
وفيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفها من القضية الفلسطينية، وحل الدولتين، فالمطلوب الآن موقف واضح يتمثل في اعتراف أمريكي بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، وهذا يجب أن يكون قبل نهاية فترة ولاية اوباما الذي وعد وقال بضرورة قيام الدولة الفلسطينية، وكذلك وزير خارجيته جون كيري، فهما الأعلم الآن وبعد الجهود والمساعي والمحاولات التي بذلوها طوال الفترة السابقة، بأهمية قيام الدولة الفلسطينية، كأساس لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وإحلال الأمن والسلم في المنطقة والإقليم والعالم بشكل عام.
كذلك الحال فيما يخص دول الاتحاد الأوروبي، التي لا زالت تؤكد على تمسكها بحل الدولتين على أساس حدود العام 1967، وترجمت بعض برلمانات هذه الدول هذا باعترافها بالدولة الفلسطينية، والمطلوب أن تحذو باقي الدول الأوروبية حذو من سبقها، تأسيسا لاعتراف حكوماتها بالدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعة الدولية، ونعتقد أن هذه الخطوة من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول العالم، سيكون لها تأثير جدي على حل الصراع العربي الإسرائيلي، وفق مفاوضات مرجعيتها قرارات الشرعية الدولية، وضمن جدول زمني معروف ومحدد يفضي إلى إنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967.
إن التعويل الرئيسي الآن، وكما كان دائما، على الشعب الفلسطيني ومقاومته، لأن موضوع المقاومة الشعبية على قدر كبير من الأهمية، وهو الآن الطريقة الأمثل لمجابهة الاحتلال وحكومته العنصرية، ونحن بحاجة إلى وضع هذه المقاومة في سياق منهجي ومدروس، وعلى أساس خطة واضحة بأهداف محددة ولها غطاء سياسي، ونعمل على مأسستها وتوسيع رقعتها وتكثيفها ودعمها، وإشراك أكبر عدد ممكن من مكونات وشرائح الشعب الفلسطيني بها، وكذلك حركات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.
وهنا لا بد من التأكيد على أهمية دعم حركات مقاطعة الاحتلال وفي مقدمتها حركة الـــ (BDS)، كإحدى أدوات المقاومة الشعبية السلمية والمؤثرة والموجعة، ووضع برنامج وطني يجعل من مقاطعة الاحتلال بكافة أشكاله ثقافة وطنية عامة، فالمقاطعة الشاملة للاحتلال يجب أن تستمر ويتم تعزيزها طالما بقي الاحتلال، فالمطلوب هو توحيد الجهود كافة من أجل الانخراط الجماهيري الشامل في المقاومة الشعبية السلمية التي توجع الاحتلال وتحمله تكاليف احتلاله. ويبقى أساس نجاح كل خطواتنا، داخليا وخارجيا، هي الوحدة الوطنية التي لا بديل عنها، ولن يكون لنا خيارا سواها.
منيب المصري/انتخابات الكنيست: إعادة إنتاج العنصرية
13
المقالة السابقة