بدأت حاجة “حزب الله” الى الحوار مع تيار “المستقبل” تتراجع. لماذا؟ الأرجح لأنه اعتقد أنه قدّم “الكثير” من التنازلات ولم يقابل بالإشادة، وأعتقد أن تسهيل خطط أمنية هنا أو هناك يستحق من الآخرين عرفاناً معلناً بالجميل وليس واجبه حيال الدولة. الأهم أن “حزب الله” ظنّ أن التحاور – بشروطه – كفيل بأن يغيّر نمط التفكير عند “المستقبليين” واستطراداً عند الـ “14 آذاريين”، بل من شأنه أن يبدّل نظرتهم الى سلوك “الحزب” وصولاً الى تأييد مغامرته في سوريا والعراق وقبول امتناعه عن تسليم المتهمين بالاغتيالات السياسية، أو حتى الى تفهّم احتضانه لشذاذ الآفاق الذين يسميهم “سرايا المقاومة”.
لذلك قرر فجأة أن النقد ممنوع وأن التلسين على انتهاكاته الموصوفة للدولة لم يعد محتملاً ولا مقبولاً. فالأجواء التي رافقت ذكرى 14 آذار، وبقاء تيارها على مبادئ الاستقلال والتعايش، ومنافسة قواعد هذا التيار قياداته على تثبيت خط وطني عابر للطوائف والمذاهب، أكّدت لـ”الحزب” أنه لا يزال يحرث في الماء، وأن أقصى ما يستطيعه مع انتهازييه الحلفاء هو تعميق الانقسام في المجتمع من دون جدوى. الأسوأ أن أوركسترا قيادات “حزب الله” تحوّلت بكبسة زر واحدة، وفي يوم واحد، الى جوقة تهاجم “الحوار السنّي – الشيعي” من دون أي مبرر معروف. وكما فعلوا في بروباغندا تسويغ حربهم وحرب ايران في سوريا بأنها ضد “التكفيريين” الذين أصبحوا “دواعش” لاحقاً، ها هم يرمون خصومهم اللبنانيين بـ “الداعشية السياسية” مبطنين أنهم مقبلون على حرب جديدة في لبنان.
هذه الحملة متوقعة مع اقتراب “الاتفاق النووي”، وبعد سلسلة ترهات أطلقها سياسيون وعسكريون في طهران عن “الامبراطورية الفارسية” والسيطرة من المتوسط حتى باب المندب. ذلك أن الايرانيين وأتباعهم يعرفون أن ما أُخذ غيلةً لا تنفع الحيلة ولا القوة وحدهما في الحفاظ عليه. من هنا تصاعد منسوب الغطرسة وهذيان القوة، مستقوياً بوشوك الاعتراف الاميركي بنفوذ ايران، ما يحرر طهران وأتباعها من أي التزامات تجاه أي أطراف سياسية اخرى “شريكة” في الوطن. فثمة تململ أيضاً في العراق وسوريا من تنامي التغوّل الايراني حتى في البيئات غير المناوئة.
كيف نفسّر ظهور مصطلحات “الداعشية السياسية” و”الدواعش السياسيين” في خطاب “حزب الله” والاعلام الناطق باسمه؟ إنه ببساطة تهديد بالقتل، باستئناف الاغتيالات، بعد توقف قسري. ومن لم يفهم فقد ذهب رئيس المجلس السياسي في “الحزب” الى أقصى درجات الوضوح حين هاجم المنتقدين في صفوف “14 آذار” قائلاً إن عليهم أن يشكروا “حزب الله” لأنه “يبقيهم على قيد الحياة السياسية”… ظهر “داعش” في سوريا منتصف 2012، وكان “داعش” لبنان سبقه في 7 أيار 2008 لمن يريد أن يتذكّر.