قام معالي وزير الخارجية الأردنية نائب رئيس مجلس الوزراء، ناصر جودة بزيارة إلى طهران، كانت مفاجئة للمراقبين، وقابل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني، فماذا قال الوزير الأردني هناك، وماذا قالوا له؟.
تقول الأنباء إن السيد جودة طالب إيران، إضافة إلى أمور أخرى، بإجراء “حوار إيراني مع الجامعة العربية”، وقال روحاني للسيد جودة: نطالب العرب “بتعاون مشترك لمحاربة الإرهاب”.
معنى ذلك أن روحاني يرفض فكرة إجراء حوار مع العرب في الوقت الراهن لكون بلاده منتصرة في كل الجبهات من بغداد وحتى صنعاء، مرورا بدمشق وبيروت.
(2)
في تقدير الكاتب أن توقيت الزيارة لطهران لم يكن موفقا بكل المقاييس، سيفسرها الإيرانيون بأنها زيارة الضعيف للقوي، خاصة أن قوات المليشيات الطائفية الإيرانية العراقية اللبنانية تحيط بالأردن من الشرق ومن الشمال، إلى جانب ما يعتور حركة الإخوان المسلمين من انقسامات وغير ذلك من قضايا الأردن المهمة. لقد أتت هذه الزيارة في الوقت الذي ترمي إيران بكل ثقلها العسكري للهيمنة على اليمن، واندفاع الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني بكل أنواع الأسلحة إلى داخل الأراضي العراقية تحت شعار محاربة الإرهاب أو على وجه التحديد محاربة “الدولة الإسلامية” المعروفة باختصار “داعش”.
جاءت هذه الزيارة بعد حراك مشرقي سريع الخطى، الملك عبد الله الثاني في الرياض ومنها إلى القاهرة، المشير السيسي في زيارة خاطفة للرياض، تعقبها زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري واجتماعه بوزراء مجلس التعاون الخليجي في الرياض.
هل نفهم من هذا الحراك أن أمريكا قالت لحلفائها العرب “شوفوا شغلكم مع إيران، أنا اتفقت معها على كل القضايا التي تخص أمريكا والغرب ومن أهمها المشروع النووي الإيراني”، وهل نفهم أن الأردن كُلّف بأن يكون “مراسلا” بين القادة العرب الذين قابلهم والقيادات الإيرانية؟ أو أنه يمهد لعلاقات متميزة مع طهران بعد أن كاد اليأس من العون العربي أن يحط رحاله وأثقاله على الصعيد الأردني.
قد يقول في الأردن قائل: “إن إيران ستكون منشغلة بعمل “بزنس” مع الغرب إن هي توصلت إلى اتفاق مع مجموعة (5 + 1)، وليس بفتح جبهات أو معارك أو تخصيب التربة “لتصدير الثورات” أيا كانت ألوانها أو مسمياتها، وهذه فرصة لإحداث نقلة نوعية في طبيعة العلاقة بين الأردن وإيران (الرنتاوي / الأردن).
هذا القول مردود عليه، صحيح أن الدولة ومعها البازار سينشغلون بعمل “البزنس” مع أمهات الشركات الغربية والأمريكية، لكن الحرس الثوري والقوات المسلحة والمليشيات ستتفرغ لعملية التوسع في كل اتجاه بغية تحقيق الإمبراطورية الفارسية التي قال بها علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني في الأيام القريبة الماضية، لأنه سيتوفر لها المال والصمت الغربي عن كل ما تفعل.
لقد أكد علي يونسي في خطابه أمام “منتدى الهوية الإيرانية”، “أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية وسندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف في وجه العثمانيين الجدد (يعني تركيا) والوهابيين (السعودية) والغرب والصهيونية”، على حد تعبيره، وقال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: “إيران اليوم على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وباب المندب”.
(3)
نستنتج من هذه التصريحات أن إيران ترفض الدخول في حوار مع “بيت العرب”، علما بأنها تعلم أن دعوة الوزير ناصر جودة جاءت من رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري العربي ويعلم الفرس أن تلك الدعوة لم تكن عفوية أو هكذا يعتقدون، وفي يقيني أن هذه كبوة فارس أردني ما كنت أتمناها لمهندس الدبلوماسية الأردنية معالي ناصر جودة.
(4)
الأردن الشقيق حمّال المآسي العربية دون التفاتة عربية صادقة نحوه، إنه يستضيف على أرضه أكثر من مليون وربع المليون لاجئ سوري إلى جانب ذلك لجوء عراقي وفلسطيني وكل من تحل به كارثة في وطنه يجد الأردن ملاذه.
لو فكر العرب، الأغنياء منهم ومتوسطو الحال، أن الأردن شحيح المياه، خاصة مياه الشرب، وعليه أن يسقي أكثر من مليون ونصف المليون إنسان إلى جانب الشعب الأردني، فكم سيتكلف هذا الوطن العربي الشقيق إلى جانب تكاليف حفظ الأمن في مخيمات اللجوء وتدبير وسائل المعيشة الكريمة بأسعار مرضية وتوفير الوقود والعلاج الطبي وما في حكم ذلك من مطالب للإنسان.
والحق أن الأردن الشقيق لم يبخل على أهل الخليج العربي حتى بدماء أبنائه ومعظم دول الخليج روي صعيدها من دماء الشهداء الأردنيين دفاعا عن أمن تلك الأنظمة الخليجية وكان جديدها في مملكة البحرين في مطلع هذا العام.
لقد وضع الأردن الشقيق مئات من رجال الأمن لمحاربة مهربي المخدرات والسلاح وعصابات التخريب على حدوده مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي. فماذا جنى مقابل ما قدم سوى الحد من انسياب العمالة الأردنية الماهرة إلى دول المجلس، والوعود بتدفق الاستثمارات وتقديم المعونات دون تنفيذ.
وكانت إيران قد قدمت عرضا سخيا للأردن الشقيق وهو إمداده بالنفط لمدة ثلاثين عاما، على أن يقوم الأردن بسداد تكاليف النفط المستورد من إيران بمنتجات أردنية، وأن تفتح الأردن مجالا للسياحة الدينية لزيارة مراقد آل البيت المنتشرة في الأردن، والمقدسة لدى الشيعة، إلى جانب مساعدات أخرى، لكن الأردن العربي الهاشمي يأبى ذلك، تضامنا مع إخوانه العرب واليوم هناك شعور في الأردن بأن معظم قادة الخليج العربي أشاحوا بوجوههم عنه، فماذا على الأردن الشقيق أن يفعل؟ كأني بهم يرددون قول الشاعر العربي:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركب ++ فما حيلة المضطر إلا ركوبها
آخر القول: اجعلوا الأردن الدولة العربية الأولى بالرعاية قبل أن ينفرط العقد ونكون على ذلك من النادمين.
محمد المسفر/الأردن سينفرط من العقد العربي
19
المقالة السابقة