لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مؤتمر حاشد وحوله عدد من الشباب. فعلها في مؤتمر انتخابي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. لكنها المرة الأولى التي يقف فيها رئيس الدولة وسط عشرات الشباب ليلتقط صوراً «سيلفي» معهم!
كان المشهد احتفالياً ومطمئناً بالنسبة إلى المستقبل. وفي المقابل كان العنوان الرئيس الذي دارت حوله تغطيات وبرامج قناة «الجزيرة» القطرية للمؤتمر الاقتصادي الذي اختتم أعماله أمس في مدينة شرم الشيخ، أن مشروع العاصمة الجديدة لمصر «تكريس لمجتمع النخبة البعيد من آلام الفقراء»، بينما رفع «الإخوان» وهم يتعاملون مع وقائع المؤتمر شعار «لا لمؤتمر بيع مصر»، بعدما عجزوا عن منعه أو التأثير في ترتيباته أو إرهاب الشخصيات أو الجهات التي أعلنت المشاركة فيه والمجيء إلى شرم الشيخ وحضور فعالياته.
وبين «الجزيرة» و «الإخوان» تحالف وثيق لا يحتاج إلى دلائل لإثباته، فالأمر على رؤوس الأشهاد. وخلف «الجزيرة» هناك قطر التي تقف مع تركيا أيضاً خلف «الإخوان». وبالتالي فإن ردود الفعل الصادرة من هذا الاتجاه يمكن توقعها حتى لو لم تطلع عليها. فلا تستغرب تقارير القناة وأخبارها والمشاهد التي اقتنصتها لتعرضها على شاشتها وآراء محلليها الذين اعتبروا المؤتمر كارثة على مصر والمصريين.
وكذلك لا تندهش لحملة «الإخوان» الذين كانوا يأملون بأن يؤدي إرهاب حلفائهم في سيناء، وقنابل عناصرهم العشوائية في أنحاء مصر، إلى منع ضيوف المؤتمر والمشاركين فيه من المجيء إلى شرم الشيخ. وبعدما تبين لمكتب إرشادهم أن وعوده المتكررة لعناصر الجماعة بقرب سقوط السيسي على أساس أن «الانقلاب يترنح» لا يتحقق منها شيء، اضطر زعماء الجماعة إلى تطوير الأداء ليحافظوا على تماسك الجماعة، فكان تبني حملة تشويه للمؤتمر ومنظميه والمشاركين فيه والمشاريع التي طرحت خلاله، والاتفاقات التي وقعت على طاولاته، والآراء التي طرحت في قاعاته، وحتى التحليلات التي صدرت عن جهات أو شخصيات محايدة عن جدواه ووقائعه ونتائجه.
طبيعي أن تخضع نتائج المؤتمر إلى التحليل من جانب خبراء الاقتصاد والتدقيق من جانب المشاركين فيه والمتابعين له والمهتمين بمصر واقتصادها وأحوالها ومستقبلها. وشيء عادي وجود انتقادات لنوعية بعض المشاريع التي جرى الاتفاق عليها، أو رفض لطبيعة بعض الاستثمارات التي وقعت جهات مصرية عليها، أو شكوك حول بعض الأرقام التي تم تداولها في المؤتمر، فهذا من طبائع الأمور. بل من الواجب على الحكومة المصرية ألا تكرر أخطاء الماضي، وعليها أن تدرس بعناية كل ما جرى في المؤتمر رغبة في نيل فوائد مضافة على نتائج المؤتمر وأن تخضعه للتقويم لتفادي الأخطاء في المستقبل.
أهل الاقتصاد، المنزهون عن الهوى «الإخواني» أو المصالح، أدرى بشعاب المؤتمر ونتائجه. لكن المؤكد أن حجم المشاركة وثقل الشخصيات التي وفدت إلى شرم الشيخ أغلق الباب على عبارة «عزلة مصر» التي يرددها «الإخوان» وتروج لها «الجزيرة» وتسعى قطر وتركيا إلى تبنيها. كما أن أي حديث أو إشاعة أو أخبار «مضروبة» عن رغبة الحكم في مصر في الدخول في مصالحة مع «الإخوان» لم يعد ينطلي على أحد، وأن على «الإخوان» وأنصارهم وحلفائهم في الداخل والخارج أن يغيروا من استراتيجية الصراع مع الدولة المصرية، فالعالم لم يعد يتعامل مع «انقلاب» يترنح أو لا يترنح، وإنما مع مؤسسات دولة راسخة.
أما محاولة تحريض الناس على حلفاء مصر بالتلميح والتصريح بأن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مثلاً لم يعرض لحوار مجتمعي فأمر مثير للضحك. والإشارة إلى أن إسناده إلى الشركة المنفذة جرى من دون مناقصة يعكس جهلاً بالقانون والمنطق، فمدينة متكاملة المرافق ليست منتجعاً أو بناية حكومية يكون الحرص فيها على أقل الأسعار.
التجربة والتنفيذ والأداء ستحكم على مؤتمر شرم الشيخ ونتائجه، وسيعود الذين شككوا قبل المؤتمر وخلاله وبعده في جدواه، ليقرأوا واقعاً جديداً، وسيجدون أن اللعب على الأوتار الضعيفة لم يعد مجدياً، فإسناد مشروع العاصمة الإدارية والمشاريع الكبرى الأخرى إلى شركات سعودية وإماراتية أمر طبيعي، إلا إذا كانت توقعاتهم أن تُسند مشاريع «مصر المستقبل» إلى شركات قطرية وتركية!
محمد صلاح/«سيلفي» السيسي
14
المقالة السابقة