دافع أحد الكتاب منذ فترة عن الباحث الأمريكي في قضايا الإسلام والمسلمين (برنارد لويس)، وقال إنه رغم تقديمه استشارات للبيت الأبيض حول الشرق الأوسط، إلا أنه يعارض أن يوصف الإسلام كدين عنف، وقد نشر مقالة في (الناشيونال بوست) أبريل 2003، يجعل فيها النظام العراقي الديكتاتوري استيرادا للأيديولوجيا الأوروبية، ويبّرئ الإسلام كدين من هذا النظام”.
والحقيقة أنني لا أجد مبرراً لهذا الدفاع عن هذا المستشرق المعروف عنه التعصب والعداء غير المبرر، فكتابات لويس في مجملها ـ كما قلت آنفاً ـ تكشف مواقفه العدائية تجاه العرب والمسلمين بعيداً عن المنهجية العلمية، والحياد الأكاديمي الذي يفترض أن ينطلق منها هذا الباحث المتخصص.. ففي دراسته الشهيرة ـ البذرة الأولى في الكراهية والتعصب والداعية لصراع الحضارات ـ (جذور السخط الإسلامي) أو (جذور الغضب الإسلامي) يقول لويس “هناك شيء ما في الثقافة الدينية الإسلامية” وهذا الشيء ـ كما يقول لويس ـ خاصة في “حالة الجيشان والتمزق حينما يثور الغضب ـ الوسيلة لخليط ممزوج من الكراهية والمقت ” الذي يدفع حتى الحكومات العريقة والمتحضرة، وحتى المتحدثين باسم ذلك الدين العظيم أن يناصروا أعمال الخطف والاغتيال ويحاولوا أن يجدوا في سيرة نبيّهم استحساناً وسوابق لأعمال كهذه. إن غريزة الجماهير الفطرية في غزو المنابع الجوهرية لهذه التغييرات العنيفة والمفاجئة إلى الغرب، وفي غزو سبب تمزق حياتهم القديمة إلى الهيمنة الغربية والتأثير الغربي والمثال والقدرة الغربيين، هذه الغريزة ليست بالتأكيد أمراً زائفاً”. ولم يتوقف برنارد لويس ـ الذي يدافع عنه هذا الكاتب ـ عند هذا الحد في جعل العنف لصيقا بالثقافة الإسلامية، بل إن لويس قال في الفقرات التالية لتلك الدراسة، مما هو أكثر تعصباً وتحريفاً للإسلام والفكر الإسلامي: “إذا كان المقاتلون في سبيل الإسلام ـ الحرب المقدسة في سبيل الله ـ يقاتلون من أجل الله، فإن ذلك يستتبع القول إن خصومهم يقاتلون ضد الله. وبما أن الله هو المهيمن ومصدر السلطات من حيث المبدأ، وهو أيضاً القائد العلوي للدولة الإسلامية، والنبي (وخلفاؤه من بعده) وكلاء مباشرون عنه، فإن الله إذن هو راعي الجيش وقائده. الجيش هو جيش الله، والأعداء هم أعداء الله، فواجب جنود الله إذن هو إرسال أعداء الله بأقصى سرعة ممكنة إلى حيث سيتولى الله بنفسه معاقبتهم وتأديبهم، أي إلى الآخرة. ويعرف لويس ـ وإن لم يكن منصفاً ـ أن الحرب في الإسلام دفاعية وليست هجومية ـ والجهاد في الإسلام هو للدفاع عن الدين وليس فرض الدين على الناس أو إجبارهم لدخول الإسلام كما يقول لويس آنفاً!!
والدليل الذي نؤكده أن اليهود والمسيحيين بقوا في ديار الإسلام منذ انبثاق الدعوة إلى الآن ولم يجبرهم أحد على الدخول في هذا الدين أو محاربتهم وهناك الكثير من الوقائع التي تشهد للمسلمين أنهم أكثر تسامحا وانفتاحا من الغرب نفسه في مواقف كثيرة، وهذا يعني أن لويس يحرّف الحقائق ويشوّه الوقائع للوصول إلى مآربه، وهي معروفة سلفاً. وعندما يتطرق لويس إلى التسامح الإسلامي في هذه الدراسة، فإنه يقول بـ”التسامح النظري” وهي عبارة ماكرة، ومعنى ذلك أن هذا التسامح في الأقوال لا في الأفعال والمواقف!!
وإذا جئنا إلى كتاب برنارد لويس: (أين مكمن الخطأ) الذي أشار إليه د/رضوان في العديد من كتاباته، وجعل هذا الكاتب متكئاً بسبب الترجمة للتفريق بين هذا الكتاب وكتاب أحد المشايخ، فإن هذا الكتاب يدور في الفلك نفسه من التحريف والتحامل غير المبرر على الإسلام وأهله، ولا يوجد به ما يغير رأينا في هذا المستشرق الكبير!! أما كتابه الأكثر حداثة وغرابة وتعصبا ًلبرنارد لويس والذي سنتوقف عنده قليلاً وهو كتاب ” أزمة الإسلام: الحرب المقدسة والإرهاب غير المقدس” الذي صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فهذا الكتاب الأكثر تناقضاً وتبسيطية لقضايا العالم الإسلامي فهو يقول في ثنايا الكتاب بأن الإسلام محكوم بوعيه التاريخي وفكرته الجهادية المتأصلة المعادية للغرب والمسيحية ـ لكنه ينتبه إلى مغالاته التي طرحها قبل قليل ويقول بأن “الإسلام أحد أعظم الديانات العالمية، وأن الحضارة الإسلامية، كانت الأكثر إبداعاً في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني ” لكن هذا القول سيتبعه بعد ذلك أيضا، الكثير من الآراء المتعصبة والتبسيطية والمتجنية في بعض الأحيان، حتى يخيل للمرء أن هذا الباحث المتخصص في الشرق الأوسط كما يعرف عنه وكأنه لا يملك الكثير من المعلومات العميقة عن دين الإسلام وثقافة المسلمين إلا إذا كانت هذه المعلومات ترسـل كتقارير!.
وهناك الكثير والكثير من الآراء والأقوال التي لا يتسع المقام لذكرها، والتي تجمع على تحامل لويس في كتاباته عن الإسلام والمسلمين، وأعتقد أن كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق) قد كشف خفايا الاستشراق ورموزه، ومنهم برنارد لويس، وكفى الكثير عن الرد والتعقيب والمقارعة والمحاججة فيما قالوه في بحوثهم وكتاباتهم.