في خطابه المتميز في البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ أشار الملك عبد الله الثاني إلى مسائل رئيسية ثلاث متداخلة و مترابطة.الأولى الحرب العالمية الرابعة والمتمثلة بالحرب ضد العنف والتطرف و الإرهاب و الذي يتعرض له العالم بأسره. والثانية إهمال المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية و غض النظر عما تقوم به إسرائيل من احتلال و تمييز عنصري وجرائم حرب و مخالفة صريحة للإتفاقيات والقوانين والعهود الدولية والإنسانية، وقبل ذلك ما تمارسه من إرهاب ممنهج ،إرهاب دولة، ضد الشعب الفلسطيني بأكمله.والثالثة الفقر والبطالة والإحباط نتيجة لتعثر التنمية الإقتصادية في دول المنطقة .
وفي الوقت الذي أكد الملك على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة المشكلات الثلاث بما فيها مشاركة البرلمانات والمنظمات الدولية، فإن مسؤولية الدول في العالم الإسلامي كبيرة و عاجلة لدعم القضية الفلسطينية من جهة، و أخذ التنمية الإقتصادية الإجتماعية و خاصة في الأرياف و البوادي مأخذا جادا و مصيريا من جهة ثانية، ومحاربة الإرهاب و تنقية الأفكار والثقافة الدينية من مقولات التطرف التي علقت بها، والتزام الأحزاب ذات الطابع الديني بالمشاركة الصادقة في هذه المهمة من جهة ثالثة. و على كل بلد بذاته أن يعمل وفق برنامج عملي على تصحيح الأفكار و نشر فكر الإعتدال و قبول التعدد على أساس المواطنة والقانون.
و بترخيص جماعة جمعية الأخوان المسلمين كجمعية سياسية تكون الدولة الأردنية قد سارت خطوة في الإتجاه الصحيح نحو ضبط العمل السياسي، والذي ينبغي أن ينطبق على جميع الأحزاب والهيئات والجمعيات مهما كان مسماها و مهما كانت ظواهر أعمالها. و في الظروف السائدة في المنطقة و انفلات التطرف والإرهاب تحت مسميات دينية فإن المسؤولية تقتضي تنظيم العمل السياسي وفق مبادئ رئيسية ملزمة للجميع. أولاً : الولاء للدولة الأردنية فقط، لا لدولة الخلافة أو دولة الأمة أو غير ذلك من المسميات، خاصة وان هناك جماعات وأحزاب تسمى الأردن “ولاية” و “إمارة” وينشرون ذلك تحت سمع الحكومة وبصرها في بعض الصحف والمواقع الأردنية. ثانياً : أن لا يكون موقف الحزب أو الجمعية متناقضاً مع مصالح الدولة الأردنية فيما يتعلق بعلاقاتها الدولية. فلا يعقل أن يعمل حزب أو مجموعة على إفساد هذه المصالح والعلاقات لأسباب وارتباطات غير وطنية. ثالثاً : أن يكون الدستور الأردني والقانون الأردني هما المرجعية الكاملة والوحيدة المعترف بها لتنظيم العلاقة بين الدولة و بين المواطنين و مؤسساتهم، والانتهاء كلية من المفاهيم الهلامية حول الشرعية و الوضعية والأممية . رابعاً : إن مفهوم الجهاد الذي تحمله الجماعات الدينية قد أصبح “عنوانه و محتواه الدفاع عن الوطن” و هو أمر من مسؤولية الدولة كاملاً. ولا يحق لأي فرد أو حزب أو جماعة أن يلجأ إلى القتال والاحتراب والصدام والعنف والقوة ضد الآخرين وضد الدولة وضد أية دولة أخرى تحت دعوى الجهاد إلا كجزء من مجهود الدولة الوطنية ومن خلال مؤسساتها . خامساً إن مفهوم الطوائف و أهل الذمة ودفع الجزية و التكفير وغير ذلك هي مواضيع مضت في حينه والله يحكم بين الناس يوم القيامة. وليس هناك من شخص أو حزب أو فئة أو جماعة لها حق أو سلطة لتقييم أو تصنيف الناس، والمواطنة هي الأساس.
إن مثل هذه المفاهيم يجب أن تكون صريحة لدى أعضاء الأحزاب أو الجماعات وفي نشراتهم الحزبية الداخلية وفي فتاويهم المعلنة وغير المعلنة . سادساً : إن تقسيم الناس إلى طوائف دينية بسبب المذاهب، أمر انتهى ولا تتحدد المواقف على أساس مذهبي أو طائفي أو عرقي أو جهوي أو ديني وإنما على أساس وطني صرف. سابعاً : إن عهد الارتباط السري أو المعلن بالتنظيمات والجماعات والأحزاب الدولية ،مهما كان نوعها قد انتهى. وكل حزب أو جماعة يتحتم أن تكون صفته وارتباطاته وقراراته ومسؤولياته وطنية أردنية لا غير .
إن إنهاء حالة “الإسلاموفوبيا” أي الخوف من الإسلام لا يمكن تحقيقه ، طالما هناك حركات تلبس عباءة الإسلام و تنغمس في بحر السياسة، و تداور وتناور وتفعل بإسمه ما تشاء، وتقاتل من أجل الحكم والسلطة والسيطرة بشتى الوسائل، حتى شوهت صورة الإسلام في عقول العالم. كيف يرد الاعتبار لهذه الحركات دون مراجعات حقيقية علنية توضح أخطاءها ،وتعلن المفاهيم و والإلتزامات الجديدة بعد المراجعة ؟ إن إعادة الاعتبار يجب أن تكون ليس للإسلام السياسي. فلا يوجد إسلام سياسي و أسلام اقتصادي و إسلام تكنولوجي و إسلام اجتماعي الخ. الإسلام هو الدين الإسلامي الحنيف، الداعي إلى العقل والعلم و التسامح والعدل و حرية المعتقد فقط والسياسة هي السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا كذلك وغيرها.
إن انقسام الاخوان المسلمين إلى جماعتين إحداها مرخصة والثانية غير ذلك لا يضيف إلى الحياة السياسية الوطنية شيئاً كبيرا جدا، إذا لم يرافق ذلك مراجعات حقيقية تقوم على عدم توظيف الدين المستقيم المستقر النقي في العمل السياسي المتقلب المتداخل المتعرج. ذلك هو الضمان الحقيقي لأن يكون هناك مستقبل لهذه الأحزاب والجماعات. لقد آن لنا أن ندرك: “إن العالم لا يقرأ الإسلام في الكتب والمقالات، و لا يتعلمه من الندوات والحوارات ، ولا يتفهمه من اللقاءات والفضائيات. إن العالم يقرأ الإسلام و يتعلمه أولا و أخيرا من سلوك المسلمين و أفعالهم . فهل يرد المسلمون، والحركات الإسلامية على وجه الخصوص، الإعتبار للإسلام بتغيير الأعمال و الأفكار؟