ما كان لأحد أن يظن أن المفاوضات النووية ستبقى مسلسل فشل دائم، أو مجرد تفاوض من أجل التفاوض. فالتطورات الاقليمية تلحّ، والعقوبات توجع ايران رغم مكابرتها. ما لم يكن متوقعاً هو أن يتبلور “الاتفاق” على وقع تعايش اميركي مع التخريب الذي تتعمّده ايران في أربع دول عربية. والأخطر أن يتبلور ذلك الاتفاق على خلفية تفاهم اقليمي، اميركي – ايراني، لا تزال واشنطن تنكر وجوده وتعتقد أن أصدقاءها العرب يصدّقون، فالوقائع الايرانية تكذّب التطمينات الاميركية في العراق وسوريا (حيث يقود قاسم سليماني المعارك)، وفي اليمن (الغاء الدولة على أيدي حوثيي ايران)، وفي لبنان (مصادرة الدولة عبر منع انتخاب رئيس للجمهورية)، فضلاً عن البحرين (رفض أي حل عبر حوار وطني).
كل الحلول مؤجلة الى “ما بعد الاتفاق”، وكأن التوقيع عليه سيشهد في اللحظة التالية تغييراً جذرياً تبرهن به ايران أنها دولة طبيعية ومؤهلة لدخول مجتمع دولي ترفضه ولطالما استهزأت به. لا توجد أي مؤشرات الى أن ما بعد الاتفاق سيكون أفضل مما قبله، وربما كان العكس هو الصحيح. لماذا؟ هنا تبرز مسؤولية الولايات المتحدة وأجنداتها ومصالحها، وايران تخاطبها وتفاوضها على أساسها. لا تبدو اميركا مهتمّة بإرساء “توازن اقليمي” بل بتكريس أي وقائع قائمة ما دامت تتماشى مع مصالحها، أما هدفها المقبل، بعد الاتفاق النووي، فهو اقامة شراكة ايرانية – اسرائيلية لتقوم بدور “الشرطي الاقليمي”.
كان الاعتقاد السائد منذ أعوام أن أي اتفاق يمنع ايران من الحصول على قنبلة نووية من شأنه أن يخفّض زخم عدوانيتها وتدخلاتها، ومع انتهاء كل جولة تفاوضية تعلن طهران “انتصاراً” جديداً وتؤكد أنها في سبيل تحقيق كل أهدافها والاحتفاظ ببرنامجها النووي. ومع الكذب الدعائي الموجّه الى الداخل كانت ولا تزال تصعّد عدوانيتها، ما يعني أن التعثر العلني للمفاوضات النووية يغطّي تناغماً متقدماً مع الاميركيين الذين يعرفون كل أدوار ايران، خصوصاً في صنع الارهاب، ويفضلون السكوت، حتى أن رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي لم “يقلق” من التسليح الايراني لميليشيات العراق إلا قبل أيام.
في العواصم العربية المعنية يتصاعد القلق مما بعد الاتفاق النووي. لا لأن طهران ستحتفل بانتصارها بتنازلاتها، أياً كانت، بل لأنها ستوعز الى كل اتباعها أن يشرعوا في تثبيت نفوذهم بتصعيد الترهيب والسيطرة حيثما هي مطلوبة. فالخطط جاهزة لمعارك مقبلة في سوريا، ولضغوط محتملة على الجيش اللبناني لاستدراجه الى تنسيق معلن مع النظام السوري. وفي هذا السياق يتكاثر الحديث عن عودة الاغتيالات لتنال من شخصيات بارزة في لبنان تمهيداً لفرض رئيس الأمر الواقع.
عبد الوهاب بدرخان/ما بعد الاتفاق النووي أسوأ مما قبله؟
12
المقالة السابقة