ما حدث في باريس من هجوم وحشي من الأخوين سعيد وشريف كواشي على مجلة «شارلي إيبدو» والمجزرة التي ارتكباها عندما قتلا بدم بارد الصحافيين فيها، والهجوم الوحشي الآخر الذي نفذه المتواطئ معهم أحمدي كوليبالي على المتجر اليهودي حيث قتل أبرياء يهوداً فرنسيين، يمثلان عملين ارهابيين ارتكبهما مجرمون يدعون أنهم يحامون عن الإسلام وهم لا يعرفون شيئاً عن الدين الإسلامي ولا حتى يتكلمون اللغة العربية. هم مجرمون لا اكثر ولا اقل. وهؤلاء مثل مجرمي «داعش» الذين قطعوا روؤس العمال المصريين الأقباط في ليبيا وخطفوا ٩٠ مسيحياً أشورياً سورياً في شمال شرقي سورية. فكل ذلك إجرام يرتكب باسم دين لا يعرفونه لأن دينهم الوحيد هو الإجرام والتخريب والتخويف. ولكن ان يتهم الفرنسي روجيه كوكرمان رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية مسلمي فرنسا بأنهم مرتكبو اعمال العنف هو توجيه اتهام لأكثر من خمسة ملايين مسلم في فرنسا يعيشون كأي مواطن فرنسي ويحترمون قوانين بلدهم. إن تعليق كوكرمان، هذا المسؤول الفرنسي اليهودي الذي رافق الرئيس فرنسوا هولاند إلى رام الله خلال زيارة الأخير لمقر السلطة الفلسطينية والذي كان في الصف الأول من الشخصيات التي جلست امام الرئيسين محمود عباس وهولاند خلال لقائهما، هو تعليق غير مسؤول لأنه تعليق متعصب يزيد فتيل التوتر السائد في فرنسا نتيجة أعمال الإرهاب التي ارتكبت باسم الإسلام. كما ان دعوة بنيامين نتانياهو ليهود فرنسا ليغادروا بلدهم ويتوجهوا الى اسرائيل لحماية انفسهم هي لإشعال فتيل التعصب الأعمى الذي يزداد يوماً بعد يوم في فرنسا. كل ذلك تواكبه دعوات مجرمين جهاديين الى مواطنين فرنسيين وأوروبيين شباب للالتحاق بـ «داعش» للقتال في سورية والعراق مع وعد بالذهاب الى الجنة في حين انهم ذاهبون الى الجحيم وكل هذا يزيد من هواجس الشعب الفرنسي إزاء الإسلام.
لقد أكد هولاند مراراً أن فرنسا دولة علمانية ولا تراجع وتنازل عن هذا المبدأ الأساسي للدولة الفرنسية. وهو على حق في ذلك لأن فرنسا خاضت حروباً من اجل التوصل الى قانون ١٩٠٥ الذي ينص على ان يمارس كل شخص دينه بحرية في حياته الشخصية خارج اطار الدولة. ولكن لا شك في أن أقوال مسؤول مثل كوكرمان تمثل عنفاً كلامياً يزيد التوتر والتعصب الديني السائد في فرنسا حالياً. وأعمال «داعش» الوحشية والمجرمين مثل الأخوين كواشي وكوليبالي وقبلهم محمد مراح هي خطر كبير على المجتمع الفرنسي. وكلام كوكرمان العنيف ضد المسلمين ودعوة نتانياهو اليهود الفرنسيين للمغادرة هي تدخل في شؤون فرنسا العلمانية وتساهم في المزيد من تسميم الأجواء في حياة المجتمع الفرنسي. لقد قرأنا وسمعنا أن على قادة المسلمين في فرنسا والعالم الإسلامي أن يدينوا جرائم كواشي وكوليبالي في حين سمعنا قليلين يدعون كوكرمان ونتانياهو للتراجع عن أقوالهم. صحيح ان هولاند ورئيس حكومته مانويل فالز طالبا يهود فرنسا بالبقاء وعدم الرد على دعوات نتانياهو ولكن واقع الحال ان هناك هجرة يهودية قوية من فرنسا الى اسرائيل. وهؤلاء سيمثلون سكاناً جدداً للمستوطنات في اسرائيل بدل ان يبقوا في فرنسا حيث يعيش معظمهم في طمأنينة وحياة مريحة. فماذا كان حدث لو دعا الرئيس الجزائري بوتفليقة او العاهل المغربي محمد السادس كل الفرنسيين المسلمين الى العودة الى الجزائر والمغرب؟ هل يصبح المجتمع الفرنسي نموذجاً لما يتمناه حزب «الجبهة الوطنية» العنصري الذي يرفض المهاجرين الأجانب علماً أن رئيسته الجديدة مارين لوبن عدّلت خطابها لكسب المزيد من المؤيدين. ان فرنسا في خطر امام تزايد التعصب من كل الجهات. فبعض اليهود يبالغ بالتخويف والتطرف وبعض المسلمين يتشدد ويزداد حقداً وتعصباً. هناك حاجة الى النضج والعقلانية والصدق وهو ما يفتقر اليه المسؤولون عن المؤسسات الدينية.
رندة تقي الدين/التعصب يغزو فرنسا
12
المقالة السابقة