عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – تستقر عُمان ويتضاعف قبولها للتحديات وهي تستشعر المخاطر المحيطة وتلاطم الامواج في بحرها وما بعد برّها، وتقبض على انجازات تحققت واضعة عيونها على المستقبل وممسكة بتاريخ عميق حضاري ظل ينجيها حين تنتصب القامات فتظهر عمان سامقة القامة راسخة الجذور ..
في عمان مؤسسات تحصنها من الغواية وتجعلها اكثر قدرة على الصبر وهي تفتقد سلطانها الغائب، حيث ترتفع الايدي وتلهج الالسنة وتخفق القلوب بمحبة الغائب الحاضر .. سلطانها ووليها وإمامها وقائد مسيرتها..
في عُمان مؤسسات ولا نبالغ ان قلنا ان جذرها الحضاري ضارب حين كان في الجزيرة ملك عماني عكس حضارة الزمان والمكان، فحين لم تكن الا البداوة في وسط الجزيرة وبعض اطرافها كانت عُمان دولة بن الجلندي الذي راسله الرسول ( ص) بالاسلام وقد استجاب له قبل ان يراه ومعه شعب عظيم ..
يومها عرفت عُمان على امتدادها اللاحق الواسع الكبير مؤسسات وملوك واساليب حكم، وظلت على ترامي التاريخ تبني وتساهم وتقود وقد بلغت ذروتها في امبراطورية ممتدة على مساحة في القارتين القديمتين اسيا وافريقيا ..
اذن جذور العُمانيين عميقة وممتدة وهذا هو السبب في ما تعيشه عُمان من وعي واستقرار وقدرة على استشعار الخطر والاستعداد لدفعه.. وقد حباها الله بأسرة جاكمة ظلت تؤمن وتمارس ان العدل اساس الملك وان هذه الجغرافيا العمانية جديرة بتاريخها ..
كان الوزير الدكتورعبد المنعم الحسني يحدثني عن حاضر عُمان عن مشاريعها الجديدة الكبيرة القادرة على جذب الاستثمار والمستثمرين، وكان يضرب لي مثالا في ميناء ” الدُقم ” وغيره ويكشف عن دول عديدة جاءت تسعى للشراكة مستأنسة بالسياسة العمانية وبالاستقرار في عُمان وبقدرة عُمان على الوفاء بالتزاماتها والحفاظ عليها ..
كان يحدثني وكنت أُعطيه سمعي وعقلي، في حين كان وجداني يذهب في جولات على تاريخ هذا البلد الذي ظل تاريخه يغري حاضره وظل حاضره يتطلع لمزيد من التعلم من تاريخه ..
ما ادركته من تاريخ عُمان وما عرفته عن حاضرها اغراني بالكتابة التي ظلت تتكون في تفكيري لفترة طويلة، الى ان جاءت فكرة ان اضع كتابا يجمع ما بين ارادة قائدها واستعداد مكوناتها على اعادة بناء ذاتها فكان كتابي ” سلطنة وسلطان امة وقائد ” ترجمة لما ادركته واحسست به واحببت ان اودع ما اعرف على الورق ليظل فتمثل ذلك كتابا في اكثر من خمسماية صفحة استحقت ان تكون في اطار مناسب ..
كانت الفكرة برسم ان تتجسد الى ان اتيح لها ان التقطها شاب نابه هو وزير الاعلام في سلطنة عُمان والذي جاء الى الاعلام من احد اهم فنونه المعاصرة .. من التصوير ، فقبل الفكرة ودعاني لتجسيدها وقد وضع المتاح من الامكانيات لذلك فلم يبخل عليّ بمراجع او صور او موسوعات او وقت لاحتضان الغرس النابت مع الايام اولا باول وقد امضيت عاما كاملا اقرأ واجمع واكتب واعيد الكتابة واجد في وزارة الاعلام العمانية من يُسند ويصوب ويدعو لاستكمال البناء ..
اليوم اقطف ثمرة ما عملت واقدم هدية متواضعة لشعب عظيم انزل سلطانه في نفسه منزلة لم ينزلها قائد فقد احب العمانيون قابوس بدرجة ما احبهم وعمل من اجلهم ..
في وجه الحرائق والفوضى والاشتعالات التي تلف المنطقة تظهر عمان وسط ذلك ” بردا وسلاما ” على اولئك الذين صانوا انجازاتهم وابعدوها عن الخطر ولم يزدهم غياب سلطانهم القاهر في مرض الا اصرارا على حفظ منزلته فيهم وسلوانا لانتظار عودته اليهم ..
اعجبني في عمان الايقاع الحضاري في فهم الحكم وبناء الدولة وتميزها، بعيدة عن مواقع الخلل الذي يمكن ان يحدثه نقص التطور العلمي والتقني، وكانت الدولة في عُمان صيغة منفردة ومتفردة ظلت تتقدم وتتاخر في تطبيقات التاريخ العُماني لكنها ظلت تحافظ على بذرتها الاساسية وتصونها خشية العوامل الطارئة وتجاذبات الزمن ..
لقد ظل السلطان منذ اطلق شرارة النهضة العُمانية المعاصرة عام 1970، يمسك بالهدف الأسمى وهو واقع العمانيين ومستقبلهم وقيادتهم الى النور، والى حيث البصر والبصيرة في بناء مجتمع حديث ناهض، ظل وفيا لما وعد به وعمل من اجله ، ولم يترك عمان ولن يتركها، الا وقد استوت على سوقها واعطت ثمارها لواقعها وتاريخها ..
لم يهتز للعمانيين قصبة ولم يرتجف لهم عضد او يهونوا او يضعفوا، فقد ترك فيهم السلطان قابوس ما يجعلهم يواصلون مسيرته على رضى وعن رضى، حين ادركوا معه وبه مسيرة خيرة ومستقبلا واعدا.
صمد السلطان لاكثر من اربعة عقود وسط انواء الرحلة وصعوبة المسالك في جغرافيا اقليمية لم تستقر يوميا، فقط ظلت أشبه بالرمال المتحركة .. تحركت انظمة ودول وجرى اقتلاع بعضها وزوال اخرى واضطرابات وحروب وحرائق.. وظلت منارة السلطان في مسقط وعموم عمان مضيئة تهدي للتي هي احسن بالحكمة والموعظة الحسنة .. كان ومازال ومعه صحابته وتلاميذه وانصاره ومؤيدوه يدعون من فائض الحكمة والروية والفهم الى سواء السبيل، والى احترام الاخر وقبوله، والزامه بعدم التدخل في شؤونهم، وقد نجحت السياسة العمانية ايما نجاح، وظلت ترد على المشككين والمتربصين والشامتين بملء الابتسامة وبالعمل الجاد والمثمر البعيد عن الادعاء ..
احتار البعض في فهم عمان وسياستها الخارجية وقدرتها على صون مسيرتها وتقديم النموذج الاوضح والابرز وكانت الحيرة قائمة من عدم الفهم لقدرة العقل العماني على ترجمة الحكمة العمانية التاريخية.. وابتعاد عمان عن الفتن والتحريض حين اختارت الوسطية ووجه الاسلام الاكثر سماحة، واخذت بفتوى الواقع المستندة الى العقل والبعيدة عن الهوس والتطرف..
الذين راهنوا على زعزعة الاستقرار في عُمان وقد أخذتهم اموالهم بالاثم والظن وسوء التدبير، لم ينجحوا فوقعوا في شر اعمالهم، وقد فشلوا في جر عُمان الى سياسات الاحتراق والتبعية واحادية الرؤيا وادركوا ان سياسة السلطنة ظلت تقوم بما قامت به زرقاء اليمامة في قومها ولكنهم لم يدركوا تحذيرها ولا قراءة ما كانت ترى حتى داهمتهم الاحداث وعجزوا عن ردها . وظلت زرقاء اليمامة العمانية تاخذ عُمان بعيدا عن الخطر تدعو للاستعداد وترد عطر منشم ولا تشتريه حين كانت القبائل في الجوار تضع ايديها فيه وتتقاسم النزاع والصراع والفناء..
هنا السماحة وسعة الصدر.. هنا طريق الفقه الواضحة ومرجعياته المجربة هنا الصبر على الواقع والقدرة على تغييره. هنا الفهم لما جرى ويجري في المنطقة .. هنا امساك العصا من النصف حتى لا يؤخذ احد بجريرة الآخر وحتى لا يتحول الجزر الى عصي وسط المخادعة الدولية المستمرة ..
لم تضع عمان بيضها في سلة واحدة حين تقاطر الاخرون خلف امام ضال وخدمة مصالح غريبة بددت المال والجهد ورهنت الارادة ..
اذهب الى عمان مرة اخرى لاجد اهلها اكثر امساكا بانجازهم واكثر تفاؤلا وصبرا على محنة غياب السلطان وكلهم رجاء ان يعود اليهم ليملا القلوب الحزينة فرحا ويكحل العيون المنتظرة بلقائه..
السياسة الخارجية العمانية التي رسمها السلطان قابوس مازالت فاعلة وقادرة ويبنى عليها فالفهم للجار الايراني هو الاوضح عند العمانيين حين اعجز البعض اعراب الجملة الايرانية فهربوا منها وادعوا عجمتها .. وكان لعمان فهمها الاصوب في بناء مجلس التعاون الخليجي وما يجب ان يكون عليه واذا كان لم يؤخذ بالوصفة العمانية فيه وفي تطوره فان عمان لم تاخذ بما جرى وصفه للمجلس دون تمحيص وكان لتحفظها مبرراته التي اثبتت الان ومع الايام صحتها فالذين رهنوا المجلس لتصوراتهم يحصدون الان ضعفه وغياب قدرته على النهوض بما كان نذر نفسه له ..
عمان ليست حائرة الان في زمن يحار فيه الحليم لما يجري في المنطقة من تداخلات ومنازعات وتبعية وهي تضع عيونها على جرح تاريخي نازف في اليمن حذرت من تفاقمه واتساعه وصديده وعملت ومازالت تعمل لتخرج اليمن من ازمتها ولكنها لا تاخذ بالاسباب التي ياخذ من جعلوا نار اليمن اكثر اوارا وجرحه اكثر نزفا ومن هنا يتبدى الصمت العماني الى ان يخف الضجيج وتتلاشى الرطانة ودق طبول الفتنة باستعمال الفتاوى السامة، لعمان مواعيدها واساليبها وهي الان تاخذ بالاسباب وتواصل الصعود الى اهدافها وكل السنة ابنائها يلهجون بالدعاء لعودة الربّان الى السفينة فمازال البحر العُماني ممتدا ومازالت الرحلة طويلة ومازالت خرائط عمان تفتح على التاريخ والمستقبل في بوصلة دالة مازالت تهدي وتعمل ..
الدعاء لعمان التاريخ والمستقبل بالاستقرار الدائم فقد اثبتت التجربة العمانية انها الاكثر اصابة وصوابا ..
معالي وزير الاعلام العًماني الدكتور عبد المنعم الحسني
رئيس التحرير سلطان الحطاب في احد اسواق عُمان