في قمة واشنطن ضد التطرف العنيف قبل بضعة أيام، دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التصدي (للظلم) الذي – كما قال – ظاهرة يستغلها الإرهابيون لتبرير أفعال مشينة !! وأضاف قائلا (إن ضمان الاستقرار يبدأ بضمان التعددية واحترام حقوق الإنسان والحرص على الحريات الدينية)..
من جانبه أضاف وزير خارجيته جون كيري في خطابه إلى المجتمعين قائلا (قد تكون القوة العسكرية رداً منطقيا وضروريا لمواجهة صعود التطرف العنيف لكن القوة العسكرية لوحدها لن تحقق النصر المنشود على المدى الطويل، فهذه الحرب لن تحسم إلا بتوظيف حزمة واسعة وخلاقة من الوسائل).
كلام جميل طالما ردده المظلومون دون جدوى وهم بالمناسبة أكثر المتضررين من صعود وتنامي ظاهرة العنف والتعصب !! وسماهم الوزير كيري بالاسم (المسلمون) حيث يتعرضون للأذى مرتين، مرة بفعل التطرف المذموم ومرة بردة الفعل باستخدام القوة المفرطة، الكلام وحده رغم أهميته لايكفي خصوصا أن الدولة الراعية تخلت بنفسها عن مصداقيتها ولم يعد للقيم والرموز والثقافات الملهمة من مغزى وأثر على أرض الواقع ابتداء من تمثال الحرية مرورا بمبادئ الآباء المؤسسين وانتهاء بشعارات الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، والأدلة والتجارب المأساوية لاتعد ولا تحصى. قيمة هذه المؤتمرات تكمن عادة في التوصيات التي تخرج بها وطالما أن التشخيص دقيق فإن وصف العلاج ممكن ورغم ذلك انتهى المؤتمر إلى لاشيء !! على الرغم أن هناك حرائق مشتعلة في المنطقة منذ سنوات بحاجة لمن يطفئها على عجل ليس بصب المزيد من الزيت بل بالإصلاح والتغيير.. وهكذا يكون هذا المؤتمر كما سبقه من مؤتمرات هي في الواقع لا أكثر ولا أقل من فعاليات للعلاقات العامة فحسب لا تسمن ولاتغني من جوع، انتهاء المؤتمر إلى لا شيء يعني بكلمة أخرى أن لا تغييرعلى النهج العقيم الذي عرفه العالم على مدى سنوات وهو اللجوء الحصري للقوة في التصدي لظاهرة التطرف المقلقة والتي ثبت للعالم أجمع أن جذورها أخلاقية ثقافية وعقائدية في المقام الأول، لن تتلاشى باستخدام القوة المجردة لا في الأمد القريب ولا في الأمد البعيد، ومن يتحدث بهذه اللغة إنما يحلم.
التطرف العنيف، التوحش.. سلوك بشري وظاهرة إنسانية تنشأ وتنمو كلما تفاقم الشعور بالظلم والحرمان من العيش الكريم والحل يقينا ليس باستخدام القوة إلا في أضيق الحدود والأولوية على الدوام ينبغي أن تنصرف إلى رزمة إلاصلاحات التي وصفها الوزير كيري بالواسعة والخلاقة، وأفهم أنه يقصد بأنها لابد أن تقود إلى التغيير جذريا ولكن ليس فقط على مستوى الأنظمة الوطنية القمعية والتعسفية بل على مستوى النظام العالمي في المقام الأول والذي ثبت الآن أنه المصدر الرئيسي للظلم والحرمان في العالم.
التصدي للتطرف العنيف باستخدام القوة يعني التعامل مع الظاهرة بجزئها البارز فوق السطح بينما تبقى الجذور سليمة تنشط وتنمو في أول مناسبة تتوفر لها الشروط اللازمة من غياب العدالة إلى التمييز والقهر والفساد.. وهو ما يطبع الأنظمة في العموم إلا من رحم ربي وقليل ماهم.
وطالما أن الجهود تنصرف للحل الخطأ، وطالما أن الأفعال لا تقترن بالأقوال فإن هذه الظاهرة مرشحة للبقاء إلى أجل غير مسمى.. والكل يعاني.
طارق الهاشمي/حديث في واشنطن حول (التطرف العنيف)
10
المقالة السابقة