فلنصفّق للرئيس النجيب باراك أوباما الذي اكتشف بحكمته وخبرته السياسية على مدى ولاية ونصف ولاية، أن الظلم والفساد والقمع بيئة خصبة للإرهاب، تفرّخ أجيالاً من صنف “القاعدة” و “داعش”. وصفة الرئيس الأميركي “قوة ناعمة” في مواجهة “التطرف العنيف”، ولأنها ناعمة تثير في المنطقة مخاوف من أن الحرب على “داعش” وأمثاله قد تمتد لعقد وأكثر، وتطيح دولاً وتمحو مدناً عن خريطة ما بعد انهيار النظام العالمي.
أجاد أوباما أكاديمياً في قمة واشنطن لمكافحة “التطرف العنيف”، والأكيد أنه رمى كرة النار في ملعب دول المنطقة العربية التي تكتوي بنار تنظيم “داعش” وأمثاله من بقايا استبداد تجدد شرعيتها أو تحاول – بتواطؤ دولي – تحت ستار التصدي لـ “خلافة” أبي بكر البغدادي… ومشاريع موجات من الإرهاب، قادرة على عبور ضفتي المتوسط، لتضرب قلب أوروبا.
ما نسيه أوباما محاضراً في قمة واشنطن، أنه حين لام حكومة نوري المالكي السيئة السمعة في إقصائها السنّة العراقيين وتركهم تحت رحمة ميليشيات مذهبية و “فرق موت”، لم يعلن ندماً على سكوت واشنطن التي كانت ولا تزال الغطاء الدولي الأول لنظام المحاصصة في العراق. هي التي تركت المالكي طليق اليدين في تصفية كل خصومه المعارضين من السنّة، بمباركة من النظام الإيراني…
وقد لا يجانب الصواب القول إن المالكي الذي كوفئ بقرار إيراني، فبات نائباً للرئيس العراقي، كان أميناً على خطى ما فعله الأميركيون في سجن أبو غريب وسجن كوبر، فزرع مزيداً من بذور العنف المضاد والإرهاب الأعمى، ومهّد لولادة “داعش” من زنزانات الحقد المذهبي.
تناسى أوباما في القمة أن احتضان كل الإدارات الأميركية الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين، ضاعف مشاعر الإذلال لدى العرب، وأن الأصل في الكراهية لسياسة الولايات المتحدة ليس الدين، بل الظلم الذي يُبرَّر بالدفاع عن أمن إسرائيل، مهما قتلت من الفلسطينيين وشرّدت، ومهما أذلتهم بمشاعرهم الدينية.
والحال أن براكين المنطقة العربية بكل “دواعشها”، لن ترغم الأميركي حتماً على أن يتلو فعل ندامة عن احتضان إسرائيل وعنصريتها. وإن كانت الدولة العبرية “أبا الإرهاب”، فتواطؤ الولايات المتحدة في تراخيها إزاء الهيمنة الإيرانية على دول عربية، يشجع طهران على المزيد، لتتحول أماً لأجيال أخرى من الإرهابيين.
لعل كثيرين يذكرون محمود أحمدي نجاد حين وقف في بغداد وقفة الفاتح المنتصر. خال كثيرون أنه يكمل ثأراً من عراق صدام حسين… بعده قاسم سليماني يرفع أعلامه من شمال العراق إلى أرياف سورية، مطمئناً إلى حلفائه في لبنان، وإلى تطاول أذرع حلفائه الجدد على البحر الأحمر، جماعة عبدالملك الحوثي.
أمام كل ما يحصل من محاولات الإذلال للعرب، وبعد الجريمة الكبرى في سورية، يعدّد لنا أوباما المحاضر وصاياه عن الظلم والقمع، والفقر ووصفة مكافحة البطالة، والتواصل عبر شبكة الإنترنت لكسب قلوب المهمّشين وعقولهم.
بعد أبي الإرهاب وأمّه، ينصحنا الرئيس بالقوة “الناعمة” الأميركية، وبألّا نصدق أن الغرب عدو للإسلام. والكارثة أن العالم العربي وبقاعاً أخرى في مرحلة انهيار النظام العالمي، متروكة للمجهول المرعب الذي يترنح، بين جهل قادة وجنون بعضهم وغطرسته.
الرئيس فلاديمير بوتين ضلّل العالم والأوروبيين، أغرقهم في شرق أوكرانيا فنسوا ابتلاعه شبه جزيرة القرم. الرئيس “الحكيم” أوباما يتغاضى عن تصدير إيران حرسها الثوري إلى عواصم وشطآن عربية، فيهبها جَزرة على حساب كيانات المنطقة ودماء أبنائها، لينزع العصا النووية.
وبين أبي الإرهاب وأمه، هل يمكن العرب أن يراهنوا على صديق أو حليف، ينصحهم بكسب العقول فيما يحرّض المجانين على مزيد من المجازر؟
زهير قصيباتي/أوباما النجيب… والمجانين
17
المقالة السابقة