نشرت “الغد الغراء ” يوم الثلاثاء 17 شباط وبقلم رهام زيدان تصريحات لرئيس هيئة الطاقة الذرية بأن فرقا من شركة التعدين توصلت إلى إثبات كمية 40 ألف طن عند حد قطع 94 جزء ا بالمليون واعتبرتها نسباً مجدية اقتصادياً، علماً بأن رئيس الهيئة نفسه كان قد صرح بتاريخ 19/7/2009 أن معدل التراكيز لليورانيوم في وسط الأردن هو 500 جزءا بالمليون وبكميات تتجاوز 70 ألف طن. وتكررت تصريحات مماثلة بتاريخ 5/7/2011 وبتاريخ 8/8/2011. فما هو سر هذه التناقضات؟
يعرف الجميع بأنه كان من المفترض أن يبدأ الأردن في إنتاج الكعكة الصفراء عام 2012، وقد تم توقيع اتفاقية استكشاف اليورانيوم التي تحولت فيما بعد إلى اتفاقية تعدين لخامات اليورانيوم في الأردن ومنذ عام 2009 بإشراف أريفا الفرنسية، وقد قامت الشركة بعمليات الاستكشاف خلال عدة سنوات وأنفقت ما يزيد عن 20 مليون دولار وخلصت الشركة وبموجب تقريرها في منتصف عام 2011 بأن خامات اليورانيوم في الأردن من الأنواع متدنية التركيز وليس هناك من جدوى لاستغلالها بشكل تجاري.
لم يعجب الأمر هيئة الطاقة الذرية الأردنية، فقامت بالتعاقد مع شركة بريطانية مختصة في عمليات التدقيق وحساب الكميات للخامات الطبيعية SRK، حيث كانت نتائج تدقيقها متقاربة مع ما خلصت إليه شركة أريفا نفسها، عندها قامت أريفا بوقف العمل في الاستكشاف تمهيداً لإلغاء الاتفاقية التي كانت تشترط وجود احتياطي يورانيوم لا يقل عن 20 ألف طن بحد قطع أدنى مقداره 250 جزءا من مليون كي يتسنى لشركة أريفا بالاستمرار في عملها وتعدين اليورانيوم؛ إلا أنه كانت هناك محاولات يائسة من هيئة الطاقة الذرية الأردنية بالاستمرار في الترويج لفكرة وجود كميات كبيرة من اليورانيوم وتحدي النتائج العملية اعتباطاً.
ففي حين نجد أن نسبة تركيز اليورانيوم الأردني أقل من مئة جزء بالمليون فإن التراكيز في بعض دول العالم بالآلاف وفي كندا تحديداً تبلغ معدل 150 ألفاً، إلا أن الهيئة ادعت بأنه قد تم فسخ الاتفاقية مع شركة أريفا بسبب عدم قدرة أريفا على تحديد احتياطي اليورانيوم بشكل دقيق بسبب اعتمادها على قياسات الراديومتري بدل التحاليل الكيميائية فضلا عن تجاوزها الفترة الزمنية المقررة لتسليم التقارير اللازمة عن احتياطي اليورانيوم في الأردن، علماً بأن الشركة قد قامت بحفر أكثر من 5000 بئر استكشافي وتحليل الآف العينات لتحديد احتياطي اليورانيوم وانتهت الى اتخاذ قرار بوقف العمل.
كذلك أشارت الهيئة بأنه قد تم التعاقد مؤخراً مع شركة تدقيق استرالية لحساب كميات اليورانيوم بشكل أكثر دقة وأن خبراء الهيئة بالتعاون مع شركة مصادر الطاقة الأردنية سوف يقومون باستكشاف تعدين اليورانيوم وما زالوا يصرون على وجود اليورانيوم التجاري ويصرحون انهم يسعون لبناء وحدات إنتاجية تجريبية في 3-5 سنوات قادمة لاستدامة مسلسل ًحراث الجمال ً بمعنى ان ما تحرثه الجمال تردمه فنظل كما نحن بدون حراث او زراعة. وهكذا يستمر مسلسل التضليل وهدر المال العام الذي اوصل الحكومة الأردنية إلى هذه الأزمة المالية التي تعاني منها اليوم.
فهل يعقل بأن شركة أريفا الفرنسية ذات الخبرة الطويلة في استكشاف وتعدين اليورانيوم وبناء المفاعلات الذرية، وبعد 3 سنوات من العمل وإنفاق ما يزيد عن 20 مليون دولار من جيبها الخاص أن تقوم بالانسحاب من الاتفاقية بهذه السهولة، وبخاصة إذا كان هناك بصيص أمل بإيجاد كميات تجارية من اليورانيوم؟ ولماذا لم تقم الحكومة الأردنية بتنفيذ الشروط الجزائية على شركة أريفا بسبب تجاوزها بنود الاتفاقية إذا كان إدعاء هيئة الطاقة الذرية صحيحاً؟
وكي نفهم بعض الأوضاع العالمية في مجال التنقيب على اليورانيوم تأسست شركة يورانيوم مناجم روسنغ Rossing في ناميبيا، عام 1970 من تكتل رباعي من شركة Rio Tinto ولها فيه نصيب الأسد، والباقي لإيران وجنوب إفريقيا، وفقط حصة 3 % فقط للحكومة الناميبية. وقد شرعت هذه المجموعة في إنتاج أكسيد اليورانيوم منذ عام 1976، ويعتبر منجم روسنغ من أضخم المناجم المفتوحة سطحياً في العالم، حيث ينتج نحو 4000 طن من اليورانيوم سنوياً، ولكن إنتاجها كان قد انخفض مؤخراً بعد أن قارب إنتاج المنجم الكلي من مئة ألف طن لغاية نهاية عام 2010. ويمكننا الآن ملاحظة الفارق بين المنجم الناميبي هذا ومناجم اليورانيوم عندنا. وفي نهاية عام 2008 حددت الشركة أن ما يتواجد في منجم روسنغ من معدن اليورانيوم هو 65000 طن عند حد قطع 340 جزء بالمليون، لاحظوا حجم الكمية المتبقية وتركيزها مقارنة بكميات اليورانيوم الأردني التي صرح بها رئيس الهيئة عند استجوابه للبرلمان الاردني (12300 طن) وتركيزه (45 – 60 جزءاً بالمليون) وحتى للكميات التي نشرتها الصحف مؤخراً 40000 طن عند حد قطع 95 جزءا بالمليون.
أما في عام 2011 فأنتج المنجم الناميبي ما مقداره 1822 طناً فقط، وذلك لانخفاض سعر اليورانيوم عالمياً وانخفاض الطلب عليه بعد كارثة فوكوشيما بتاريخ 11/3/2011، أما احتياطي المنجم المتبقي المحتمل فهو 51800 طن عند تركيز 310 جزء بالمليون؛ وهي تعتبر تركيزات فقيرة نسبياً، لأن ناميبيا هي رابع أكبر منتج لليورانيوم بعد كندا وأستراليا وكازاخستان. ولكن القصة تزداد غموضاً وتعقيداً في مناجم تريكوبجي Trekkopie الناميبية حيث قررت شركة أريفا تعليق العمل فيها لغاية عام 2016 مترقبة أسعار اليورانيوم أن ترتفع، علماً بأن حجم استثمار أريفا هناك في المنجم يبلغ مليار دولار أمريكي. اما نحن فما زلنا مصرين لإعادة اكتشاف العجلة بكفاءات فريدة من نوعها في العالم!
فضلاً عن ذلك فقد صرح المدير الإداري لشركة أريفا السيد لوك أورسل Luc Oursel أن تقديرات الشركة في البداية كانت 45200 طن، ثم ما لبث أن صرحت الشركة عن كمية 26000 طن فقط في تقديرات لاحقة. وقد انسحبت الصين، من المشروع، من خلال تمثيل شركة نووية معروفة في انحاء العالم: China Guangdong Nuclear، بالرغم من توقيع مذكرة تفاهم لاستثمار 49 % من المنجم، وذلك بعد أن اتضح أن المشروع لم يحقق أي نجاح اقتصادي يذكر. كذلك أوقفت أريفا العمل في مصنع Eagle Rock لتخصيب اليورانيوم في أيداهو Idaho بالولايات المتحدة الأمريكية في سياق إعادة الهيكلة، علماً بأن تكلفة المصنع تناهز 3 مليار دولار أمريكي.
ومهما يكن من أمر فإننا نتساءَل: ماذا أفاد الشعب الناميبي من تعدين اليورانيوم والألماس والذهب منذ عام 1976؟
تفاقم الفقر والجوع وعدم المساواة الاجتماعية وعدم الإنصاف، وتتفاوت معدلات الدخل من منطقة إلى أخرى على نحو عظيم هي الأكثر تفاوتاً في العالم وتأتي دليلاً على عدم الإنصاف في توزيع الثروة وبدلات العمل؛ فضلاً عن أن نسبة البطالة في ناميبيا بلغت 51.2% عام 2008، ولذلك تربعت دولة “مناجم اليورانيوم” عند رقم 192 في العالم حسب موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية، أي أنها باتت من أكثر الدول تأزماً في العالم. لقد غدت ناميبيا تتموضع بجوار زيمبابوي الإفريقية، وهي آخر الدول على الجدول عند رقم 199، حيث نسبة البطالة 95%. لذلك فاننا على امل ان يضع دولة رئيس الوزراء حدا لهذا التخبط واستغفال الاخرين الذي لم يتوقف مسلسل اليورانيوم عن فعل ذلك منذ عام 2007
د. أيّوب أبو ديّة/ مسلسل تعدين اليورانيوم!
7
المقالة السابقة