هي ملاحظة لا بدّ منها على رغم حساسية الموضوع: لم يكن الأمين العام لـ”حزب الله” مضطراً الى الإعراب عن “مشاعر المواساة والعزاء” لعائلة رفيق الحريري ومحبّيه “بسبب الحادثة الأليمة”، ولم يكن أحد ليعتب عليه. في الشكل أراد حسن نصرالله أن يبدو “صاحب واجب”، لكن جمهوره الذي لم يطلق النار ابتهاجاً بإطلالته أطلق قهقهات لدى سماع عبارة المواساة، لأنه اعتبرها دعابة مثيرة للضحك، وكذلك فعلت أوساط في جمهور ميشال عون… وقد تعوّد جمهورهما ثقافة رجم الضحية وتحصين المجرمين حتى قبل أن يظهر “داعش” في المنطقة العربية.
أما في الجوهر فإن “السيد” أراد الردّ على قول الرئيس سعد الحريري إن تسليم المتهمين بالاغتيالات أحد أربع نقاط خلافية مع “حزب الله” ومثيرة للاحتقان المذهبي. وإذا بنصرالله يقول: ليس عندي سوى العزاء. ولو شاء التفصيل أكثر لأخبرنا أن كبير المتهمين مصطفى بدر الدين يقود المعارك في ريف درعا الى جانب قاسم سليماني، الحاكم الفعلي الحالي لسوريا، وأن كلاً من المتهمين الآخرين يتولون مهمات “جهادية” في أماكن متفرقة في سوريا والعراق واليمن والخليج.
في عرضه للوضع الاقليمي، كان واضحاً أن نصرالله لم يعد يرى اللبنانيين منقسمين بين تياري 8 و 14 آذار، وإنما بين محورين اقليميين، بل دوليين، وما عليهم سوى أن يحسنوا الاصطفاف، لأن محوره الايراني – الروسي ينتقل من انتصار الى انتصار، ولا عزاء للمهزومين في المحور الآخر. أما كلفة ذلك، داخلياً واقليمياً، فليست مهمة عنده. وبهذه العقلية يتعامل بشار الاسد مع سوريا والسوريين، وعبد الملك الحوثي مع اليمن واليمنيين، و”حماس” مع فلسطين والفلسطينيين، و”جمعية الوفاق” مع البحرين والبحرينيين… وكذلك “داعش” مع العرب والمسلمين، بوحي من المحور نفسه، وإنْ ادعى أنه يحاربه. فنصرالله لم يجب مرة عن السؤال: مَن صنع التكفيريين ومَن المستفيد منهم في سوريا؟ ولا يُعتمد عليه لإجابة نزيهة، فهو سيقول إنهم صنيعة الآخرين.
في أي حال، لنصرالله هدف محدد الآن هو “وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الارهاب”، ما دام يصعب الاتفاق على “استراتيجية دفاعية”. أما الآلية فليست فيها أي مفاجأة لأنها مطروحة حتى منذ ما قبل معارك الجيش اللبناني ضد “جبهة النصرة” وما تلاها من خطف للعسكريين، بل ان هناك من يعتقدون أن تلك الأحداث افتعلت افتعالاً لطرح تلك الآلية كخيار وحيد، وهي التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وكذلك بين الجيشين اللذين سيصبحان تلقائياً (ومنطقياً) تحت إمرة الايرانيين. وفي السياق يجب أن تُفهم مصادرة “حزب الله” والتيار العوني لانتخاب رئيس الجمهورية وتكبيلهما العمل في الحكومة الحالية. فمثل هذا “التنسيق” يتطلب رئيساً مقيّداً بـ “تفاهم” مع “حزب الله” وليس رئيساً “توافقياً”.
عبد الوهاب بدرخان/رئيس من “محور إيران” أو لا رئيس!
12
المقالة السابقة