إقدام تنظيم الدولة الإسلامية على إحراق الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة حيا، إجرام منفلت من عقاله، بلا أي ضمير أو أخلاق أو قيم أو إنسانية، وهو فعل يعبر عن الدناءة والخسة والانحطاط الشامل، ويعكس فعل نفسيات حاقدة ثأرية لا تقيم للحياة الإنسانية أي اعتبار أو قيمة.
يتساوى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في إجرامه مع تلك الجرائم التي ذكرتها أساطير العهد القديم اليهودية عن الإبادة والقتل بلا رحمة، ومع أفعال الطغاة السادية في القديم والحديث، وهي أفعال تكشف عن مركب خطير للتلذذ بالقتل، وحرق الروح الإنسانية وتدمير قيمة الإنسان على الأرض.
ما قام به الدواعش يترجم الحالة التي وصلت إليها الأمة العربية والإسلامية، وهي حالة لا تسر، ويكفي إلقاء نظرة على الفيلم الذي سجله الدواعش لعملية إحراق الطيار معاذ الكساسبة لنعرف إلى أي درك وصلنا، فهذا العمل يمكن أن يصنف من عداد أفلام الرعب المركبة المحشوة بالظلامية المرعبة، وهي لا تحمل أي مشروع في ثناياها إلا القتل وحرق الذات الإنسانية.
لا يوجد أي تبرير يمكن أن يسوغ هذا الفعل الإجرامي على الإطلاق، وهي جريمة ضد الإنسانية والإسلام والعروبة، وحتى لو قال البعض إن هذا الطيار كان يقود طائرة مقاتلة تلقي القنابل على الناس، وأنه لم يكن في نزهة ولم يكن يحمل الزهور والورود في طائرته، وهذا صحيح، إلا أن وقوع الإنسان في الأسر له أحكام تختلف عن وضعه في حالة القتال، فالأسير له حقوق فرضها الإسلام، بل جعل الله إطعام الأسرى قربى إليه، وهذا في قوله تعالى ” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دروس من التعامل مع الأسرى بالحسنى، وهو ما أمر به الإسلام. والرسول لم يقدم على حرق الأسرى الذين قاتلوه وكانوا يريدون قتله وقتل المسلمين .. باختصار لأنهم أسرى.
حرق الطيار الأسير معاذ الكساسبة، بهذه الطريقة البشعة، جريمة ضد الإسلام، لأن هذا الفعل انقلاب على التعاليم القرآنية الإسلامية وعلى القيم التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يثبت أن أتباع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ليس أكثر من مجموعة من المارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فلو كانوا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لا تبعوا هداه، ولكنهم لم يفعلوا.
لا يمكن التسامح إطلاقا مع هذا الفعل الذي يضع إنسانا في قفص ثم يصب عليه الوقود ويشعل فيه النار، فالله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يعذب بالنار، وعندما أمر علي بن أبي طالب بإحراق الخوارج بالنار، تراجع عن ذلك وأمر بقتلهم لأنه قال إن عذاب النار أمر يختص بالخالق سبحانه وتعالى، فهل جعل اتباع داعش أنفسهم “آلهة” كي يعذبوا بالنار..
لم يكتفوا بإشعال النار به بل ختموا المشهد المأساوي بإلقاء التراب والحجارة فوق جثته المحترقة المتفحمة من جرافة ثم سحق الجثة، لينتهي المشهد بسحق إنسان تحت أسنان جرافة عاتية.
تنظيم داعش خطر على الإسلام والأمة والقيم الإنسانية، ولا بد من إخراجهم من حياتنا بكل الطرق والوسائل، لا بد أن ينتهي هذا التنظيم الظلامي، الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم “إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”، لأن استمراره يعني دمارا شاملا للأمة ودينها وقيمها وأخلاقها.