عروبة الإخباري – صاغت المملكة العربية السعودية، مقترحا لتسوية يمنية تأخذ شكل “مبادرة خليجية ثانية” تقضي بانسحاب الحوثيين من محاصرة القصر الجمهوري بشكل فوري، مع ضمانة تراجع الرئيس اليمني عن استقالته وعودة الملفات كافة إلى طاولة الحوار للنظر في بنود اتفاق السلم والشراكة، وذلك لضمان العمل في مؤسسات الدولة وقطع الطريق على أي دعوات للانفصال، ولاسيما بعد الإجراءات الميدانية في الجنوب وإعلان محافظات جنوبية عن رفض تلقي أي أوامر من صنعاء.
وتتضمن صيغة التسوية، إخراج الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من اللعبة السياسية، كونه أصر بحكم ما يملكه من نفوذ وتحالف مع جماعة الحوثيين على عدم بقاء الرئيس المستقيل في منصبه شرطاً لاستئناف أي جدولة قادمة للحوار بين الأطراف السياسية.
وقالت مصادر خليجية مطلعة إن هناك قنوات تواصل سعودية فتحت مع جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، وذلك عبر وساطة عُمانية للوصول إلى تسوية للملف الحوثي واحتواء الأزمة الرئاسية بعد إعلان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي استقالته إلى جانب حكومة خالد بحاح، على أن يبرم الاتفاق تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي وليس كمبادرة سعودية، إلا أن هناك أطرافاً داخل اليمن وقفت كعقبة دون إتمامه.
وقالت المصادر إن هذ التحرك السعودي يأتي في ظل ضبابية حدودية بين السعودية واليمن، وخشية لدى الرياض من أن يؤدي الهدوء الحدودي حالياً بين الطرفين إلى القيام بهجوم مباغت قد يعيد سيناريو تسلل الحوثيين العام 2009، وهي العملية التي أدت في حينها إلى سقوط ضحايا بين صفوف العساكر في الجانب السعودي، ما اضطر الملك في حينها عبدالله بن عبدالعزيز الى التضحية بنائب وزير الدفاع الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز وإعفائه من منصبه.
وتؤكد المصادر أن رفض استقبال صالح لحضور مراسم تشييع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، كان مقصوداً بعد أن خلصت الرياض إلى أن صالح يقف في صف التصعيد الحوثي وتصفية خصومه الذين وقفوا ضده إبان توليه السلطة، وهو الأمر الذي دعاه للتحالف معهم في الخفاء بعد سنوات عجاف من الاقتتال بينهما.
وتشير المصادر إلى أنه تم إخطار وزراء خارجية دول مجلس التعاون برؤية الاتفاق على هامش الاجتماع الوزاري الأخير، فيما اقترح حلفاء غربيون ألا يتم قطع الوصل مع الرئيس السابق رغم كل ما يمثله من قلق لدول المجلس. وبحسب المصادر، فقد تم تبليغ القائمين السعوديين على التحرك الخليجي بضرورة إدخال صالح كلاعب وسيط لضمان الخروج بأقل خسائر، في ظل انعدام حليف معتدل من الممكن التعويل عليه في اللعبة السياسية اليمنية في الوقت الحالي.
واعتبر محللون أنه “ليس مفاجئاً التقدم الذي تحرزه جماعة الحوثيين، إذ اجتمعت لعبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة، كل العناصر التي تسمح له بالسيطرة على القرار السياسي وعلى الميدان العسكري”، لافتين الى أن الحوثيين عملوا على بلوغ هذا الهدف منذ بدأت مواجهتهم مع النظام السياسي في اليمن انطلاقاً من إقليم صعدة قبل أكثر من عشر سنوات، حتى وصلوا الآن الى قلب العاصمة وصار بإمكانهم انتزاع استقالة الرئيس وإجبار أعضاء الحكومة على الجلوس في بيوتهم.
ولفتوا الى أن الحوثيين لعبوا على التناقضات المذهبية في اليمن، على رغم أنهم يشكلون أقلية فيه، إذ بدأت حربهم مع علي عبدالله صالح الذي تحول حليفاً لهم، أو غطاءً لمشروعهم التقسيمي، وهدفه الوحيد من وراء ذلك هو استغلال الصراع الحالي بين الحوثيين وخلفه عبدربه منصور هادي، بهدف العودة إلى السلطة والانتقام في الوقت ذاته من المبادرة الخليجية التي تجاوبت مع الشارع اليمني وأبعدت صالح عن السلطة لمصلحة نائبه.
لكن، حسب المحللين “وبسبب حالة التفكك التي يعيشها اليمن، وفي غياب أي سلطة فعلية للحكومة المركزية على القرارات السياسية والعسكرية، استمرت الهيمنة الفعلية لعلي عبدالله صالح على الجيش، وعلى الحرس الجمهوري كذلك، من خلال ابنه أحمد الذي كان قائداً للحرس، وهو ما أفسح في المجال أمام مقاتلي الحوثيين للتقدم صوب صنعاء بدون مقاومة تذكر، حتى وصلوا القصر الجمهوري ومقر إقامة الرئيس بعد أن سيطروا على مختلف المؤسسات العامة والمقرات الحكومية”.
واعتبروا أنه “وسط هذه الفوضى، يجد تنظيم “القاعدة” مساحة واسعة لتوسيع نشاطه، ولا يبدو أن الحوثيين يمانعون في ذلك، فمشروعهم المذهبي يواجه رداً عليه بمشروع مذهبي متطرف من العيار نفسه، وهكذا تكتمل عناصر النظرية التي أطلقها الحوثيون وحلفاؤهم، بأنهم يحاربون “المشروع التكفيري” في اليمن. وتشاء الصدف أن يلتقوا هم ومن وراءهم في هذه الحرب مع رغبات أميركا، التي باتت الحرب على الإرهاب البند شبه الوحيد في سياستها في المنطقة”
اليمن: مبادرة خليجية ثانية تستبعد “صالح” وتعيد هادي
15
المقالة السابقة