ليس مفاجئاً التقدم الذي تحرزه جماعة الحوثيين فوق أنقاض اليمن. اجتمعت لعبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي لهذه الجماعة، كل العناصر التي تسمح له بالسيطرة على القرار السياسي وعلى الميدان العسكري، وعمل الحوثيون على بلوغ هذا الهدف منذ بدأت مواجهتهم مع النظام السياسي في اليمن انطلاقاً من إقليم صعدة قبل أكثر من عشر سنوات، حتى وصلوا الآن الى قلب العاصمة وصار بإمكانهم انتزاع استقالة الرئيس وإجبار أعضاء الحكومة على الجلوس في بيوتهم.
لعب الحوثيون على التناقضات المذهبية في اليمن، على رغم أنهم يشكلون أقلية فيه. بدأت حربهم مع علي عبدالله صالح الذي تحول حليفاً لهم، أو غطاءً لمشروعهم التقسيمي، وهدفه الوحيد من وراء ذلك هو استغلال الصراع الحالي بين الحوثيين وخلفه عبد ربه منصور هادي، بهدف العودة إلى السلطة والانتقام في الوقت ذاته من المبادرة الخليجية التي تجاوبت مع الشارع اليمني وأبعدت صالح عن السلطة لمصلحة نائبه.
لكن، وبسبب حالة التفكك التي يعيشها اليمن، وفي غياب أي سلطة فعلية للحكومة المركزية على القرارات السياسية والعسكرية، استمرت الهيمنة الفعلية لعلي عبدالله صالح على الجيش، وعلى الحرس الجمهوري كذلك، من خلال ابنه أحمد الذي كان قائداً للحرس، وهو ما أفسح في المجال أمام مقاتلي الحوثيين للتقدم صوب صنعاء من دون مقاومة تذكر، حتى وصلوا القصر الجمهوري ومقر إقامة الرئيس بعد أن سيطروا على مختلف المؤسسات العامة والمقرات الحكومية.
يستعين الحوثيون في الحرب التي يخوضونها في اليمن بشعار «الموت لأميركا… الموت لإسرائيل» الذي صار بضاعة صالحة للبيع في أي متجر ولأي هدف. وهو شعار لا يؤذي طبعاً لا أميركا ولا إسرائيل، لكنه يساعد على استكمال مخططات التقسيم والتفتيت المذهبي في المنطقة العربية. وقد شهدنا سوابق لذلك في العراق وسورية ولبنان، حيث «المناضلون» و «الممانعون» هم الذين تربطهم تحالفات المصالح مع أميركا، كما أنهم الأبعد سياسياً وجغرافياً عن مواجهة إسرائيل، لكنهم في الوقت ذاته الأكثر إمعاناً في تنفيذ مشروع التقسيم المذهبي الذي يدّعون محاربته.
ويطلق الحوثيون على أنفسهم لقب «أنصار الله» تيمناً بـ «حزب الله»، في إشارة إلى أن أتباعهم، مثل أتباع الحزب، اللبناني الهوية الإيراني الهوى، هم من الخارجين على الطاعة الإلهية، أو من أتباع الشياطين، أما هم فينتمون الى جنس من البشر يفوق من حيث القيمة و «الشرف» أولئك البشر الذي نلاقيهم في حياتنا كل يوم.
يواجه اليمن، نتيجة الهيمنة الحوثية على جزء واسع من أقاليمه الشمالية، مخاطر التفكك من جديد بعد ربع قرن على الوحدة، فردّة فعل أبناء الجنوب ضد ما اعتبروه انقلاباً على السلطة الشرعية في صنعاء كانت واضحة، من خلال مطالبتهم بالانفصال، أما رفض الحوثيين مشروع الرئيس منصور هادي تقسيم اليمن ستة أقاليم بدل إقليمين، كما يطالبون، فيهدف إلى احتفاظهم بالسيطرة على المناطق التي في قبضتهم، ما يكرس عملياً خطة التقسيم.
وسط هذه الفوضى، يجد تنظيم «القاعدة» مساحة واسعة لتوسيع نشاطه، ولا يبدو أن الحوثيين يمانعون في ذلك، فمشروعهم المذهبي يواجه رداً عليه بمشروع مذهبي متطرف من العيار نفسه، وهكذا تكتمل عناصر النظرية التي أطلقها الحوثيون وحلفاؤهم، بأنهم يحاربون «المشروع التكفيري» في اليمن. وتشاء الصدف أن يلتقوا هم ومن وراءهم في هذه الحرب مع رغبات أميركا، التي باتت الحرب على الإرهاب البند شبه الوحيد في سياستها في المنطقة.