أعرف أن هناك سباقا بين دول مجلس التعاون الخليجي على استقطاب الفعاليات الدولية والاستثمارات الاقتصادية وبناء المجمعات السياحية بهدف استقطاب السياحة العالمية، وهذا سباق مشروع يؤدي إلى تنمية في مجال البنية التحتية وإعمار المدن وغير ذلك.
صاحب هذا السباق سباق آخر في مجال التعليم فراحت دول مجلس التعاون تتسابق في دعوة الجامعات الأوروبية والأمريكية لبناء فروع لتلك الجامعات المرموقة في دول مجلس التعاون وهذا المجال فيه مخاطر في المدى المنظور والبعيد ما لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية الثقافة العربية والتاريخ بكل ما تحوي تلك الكلمة من معان. أضرب مثلا لتلك المخاطر، في إحدى الجامعات الأجنبية المقامة في دولة خليجية تدرس مادة تاريخ الشرق الأوسط الحديث والمعاصر، يدرس هذه المادة في تلك الجامعة أستاذ أجنبي يقول فيما يقول “إن دولة إسرائيل تتعرض لعدوان مستمر من الإرهابيين الفلسطينيين الذين هم يعتبرون طارئين على إسرائيل ويجب مقاومة الإرهاب الفلسطيني من جميع الدول المحبة للسلام. الطلاب الذين يتعلمون تاريخ هذه المنطقة إلى جانب طلبة عرب وخليجيين على وجه التحديد لم يتلقوا دروسا في التاريخ في التعليم العام ترسخ فيهم القيم التاريخية للأمة العربية والإسلامية ولهذا لا يستطيعون مناقشة معلمهم الأعجمي الذي لا يعرف تاريخ هذه البقعة الجغرافية من العالم إلا من وجهة نظر من علموه في الغرب، كما أن هناك طلابا من دول غير عربية إذا استمعوا لتلك المحاضرات دون رد وتصحيح المسار فإن الأمر ينقلب إلى الضد وهنا تبدأ المشكلة أي تزوير تاريخنا وإنكار حقوقنا التاريخية. فلسطين سكنها العرب من اليبوسيين والكانعانيين وغيرهم عبر العصور. بينما الحملة الصهيونية على فلسطين حملة استعمارية استيطانية حديثة، وإسرائيل دولة لم يكتمل تكوينها حتى الآن إذ لا حدود لها ولا جذور تاريخية في المنطقة وقد دحض الحجج الإسرائيلية بوجود دولة لهم في فلسطين الكثير من المنصفين من المؤرخين غير العرب وأقصد أمريكان وأوروبيين بينما العرب في فلسطين وغيرها من ديار الشرق الأوسط تعتبر أمة مكتملة التكوين. من هنا أنبه إلى أن المجتمع الخليجي يحتاج إلى حماية من الاختراق الثقافي وتحصين مجتمعاتنا بنصوص قانونية لقيام تلك الجامعات ولا نطلق العنان لكل من يريد تزوير تاريخنا وثقافتنا وقيمنا كما هو سار في كثير من الجامعات الأجنبية التي تقيم على أرضنا بإرادتنا.
(2)
كنت في المملكة الأردنية الهاشمية بدعوة من مركز شومان للمشاركة في ندوة ثقافية مع رواد المركز المرموق، وأثار أحد الحضور في جلسة حوارية موضوعا في غاية الأهمية قال: يوجد في أكثر من عاصمة أوروبية وأكثر من مدينة أمريكية مكاتب علاقات عامة تهدف إلى المس بسمعة دولة قطر في وسائل الإعلام الغربية يدير هذه المكاتب كتاب أوروبيون وأمريكان كل في دولته وبتمويل من دول عربية، سمى تلك الدول، لكن تقتضي الأمانة ألا أذكر تلك الدول بالاسم. سألت المتحدث ما هو الهدف من تلك الحملة الإعلامية على قطر وماذا تستفيد تلك الدول العربية من وراء المساس بدولة قطر والتشهير بها كذبا وبهتانا؟ قال ألا تعلم ما هو الهدف؟ قلت لا علم لي خاصة من دول عربية على ما تقول. قال الهدف هو العمل على إفشال انعقاد مونديال عام 2022 المقرر انعقاده في قطر وراح يدلل المتحدث على صدق ما يقول بانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وكذلك الغاز كي لا تستطيع قطر إنجاز البنية التحتية استعدادا لمونديال عام 2022.
والحق أن الجدل يطول في هذا الموضوع. لكن ألا يعتبر نجاح دولة عربية لتنظيم دورة كأس العالم لكرة القدم نجاحا لكل العرب ويجب أن يعملوا جميعا مع قطر لإنجاح تلك المظاهرة الرياضية العالمية لكي يأتي دور دولة عربية أخرى لتنظيم مثل هذه التظاهرات العالمية الرياضية مستقبلا.
أشار أحد المشاركين في المنتدى آنف الذكر إلى أن المسائل التي تثيرها مكاتب العلاقات العامة الممولة عربيا ضد دولة قطر هي نفسها المسائل التي تمارس في دولهم فمشكلة العمالة في الخليج هي عامة وليست استثناء على قطر ومشكلة حقوق الإنسان والظروف الطبيعية (حر وبرد ورطوبة) هي أجواء الخليج ودولة قطر ليست دولة ديمقراطية هذا لا يعني أن بقية دول الخليج دول ديمقراطية، إذن قطر وشركاؤها في مجلس التعاون يعيشون في نفس الأجواء بل في تقديري لعل قطر أفضل من بقية شركائها من حيث ظروف العمال الحياتية من إخوانهم في دول أخرى.
آخر القول: إني أدعو جميع النخب الحاكمة في دول الخليج العربية ومن حولهم أن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان على بعضهم بعضا.