الغالبية الكبيرة من السنّة اللبنانيين لا يحبون “داعش” و”جبهة النصرة”، ولا يرغبون في العيش تحت حكمهما كما يقال، في رأي متابعين جديين لتطور أفكار “الشعوب اللبنانية” ومواقفها وأوضاعها ومنهم “أهل السنّة” كما بدأوا يسمّون أنفسهم. لكنهم في الوقت نفسه يرغبون، وبسبب تحكُّم سوريا الأسد بلبنان أباً وإبناً ومعه الجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة إبنها الإيديولوجي “حزب الله” وبسبب إيقاظ ذلك الحساسيات والإشكالات المذهبية بين السنّة والشيعة التي لم تنته يوماً، بل كانت تخلد إلى النوم، بل يتمنون انتصارهما على “الحلف الثلاثي” المشار إليه، أولاً لأنه يخلِّصهم منه ويفتح الباب أمام وضع لبناني جديد أقل ضغطاً عليهم ومصادرة لقرارهم من السابق. وثانياً لأن التنظيمين ولأسباب كثيرة لا يمكن أن يكونا دائميْن وخصوصاً في سدة الحكم. ذلك أن طبيعة الشعوب العربية الإسلامية تأبى ذلك، فضلاً عن أن التعددية في غالبية مجتمعات الدول العربية لا تسمح بذلك، كما لا يسمح به دور الدول الكبرى اقليمياً ودولياً. وانطلاقاً من ذلك يُسمِّي المتابعون الغالبية المذكورة أعلاه بيئة متعاطفة مع “داعش” و”النصرة”. أما اقلية السنّة اللبنانيين فقد تكون نسبة منها بيئة حاضنة لهما للأسباب نفسها المفصّلة أعلاه.
– استقر الوضع الأمني في مدينة طرابلس واستطراداً “الشمال السنّي” بعد تنفيذ الجيش اللبناني خطة أمنية فرضها عليه خوفه وخوف الحكومة والتكتلات السياسية السنّية من انفجار كبير هناك، قوَّض بنتيجتها “مشروع إمارة” إسلامية إنطلاقاً من محلة “باب التبانة”. لكن الإستقرار المذكور غير تام لأن “الأرض” الطرابلسية والشمالية لا تزال تحتضن مجموعات وإن قليلة من المسلمين المؤمنين بالقرار الإسلامي السنّي المتشدد جداً، ولأن الجيش اللبناني لا يستطيع بسبب تركيبة لبنان الديموغرافية التي هو صورة لها، وبسبب عدم اكتمال التسليح اللازم للقيام بعملية شاملة تستأصل كل عناصر التوتير والفتن من الإتجاهات كلها. وهذا يعني أن وقوع حادث كبير مصادفة أو عن تعمّد أو نشوب “حرب” وربما فتنة لا بد من أن يعيد شحن النفوس ويزيد هشاشة السلم الأهلي السائد حالياً.
– يتزايد القلق من عودة بلدة عرسال البقاعية ومنطقتها ساحة حرب بين الجيش اللبناني و”داعش” و”النصرة”. فمن جهة صار واضحاً على الأقل حتى الآن أنه ليس سهلاً على النظام السوري استعادة “القلمون” رغم استمرار المعارك في عدد من مناطقها. ومن جهة ثانية صار واضحاً أن دولة إسلامية متشددة جداً قامت على حدود لبنان الشرقية – الجنوبية. وهي قد تجد نفسها مضطرة إلى استعادة عرسال التي كانت مع مؤسسيها، تعاطفاً في البداية، والتي انقلب قسم من سكانها عليهم حرصاً على أمن بلدتهم واستقرارها. والدافع هو الحاجة إلى إمداد ومؤن وذخائر وطقس أدفأ رغم برده من صقيع الجرود. كما هو الرغبة في مدّ السيطرة إلى لبنان أو الحرب مع “حزب الله” فيه الذي كان لمشاركته في الحرب السورية دور مهم في خسارات عدة لـ”داعش” وغيرها جغرافية وبشرية.
– يتزايد القلق من فتح جبهة شبعا من جراء محاولة “النصرة” عبور المنطقة الحدودية السورية مع إسرائيل إلى منطقة الحدود الإسرائيلية مع لبنان. وذلك أمر خطير لأنه يُطلِق حرباً مذهبية مع “حزب الله” والشيعة في عقر دارهم ومع “شعوب لبنانية” أخرى.
هذه الأمور كلها حملناها إلى إسلامي لبناني بارز وعتيق ومطَّلع داخلياً وعربياً وإسلامياً، رغبةً في معرفة إمكان حصولها من عدمه. فكان جوابه أن غالبية كبيرة جداً من السنّة في لبنان وخصوصاً في الشمال مرتاحة إلى الوضع السائد في مناطقها. فالتأييد لـ”داعش” و”النصرة” والتعاطف معهما انحسرا. فمن جهة لم تعد الأجهزة الأمنية المتنوعة قادرة على اللعب بالساحة السنّية الشمالية. ومن جهة أخرى تُمسِك بالمسلّحين أو الذين كانوا مسلّحين شخصيات سياسية وحكومية عدة تلتقي رغم تناقضها على منع الحرب. ومن جهة ثالثة تأسست “هيئة العلماء المسلمين” وبدأت ممارسة دور مهم وفاعل في طرابلس والشمال وعلى الساحة السنّية إجمالاً، وساهم ذلك في تهدئة المتوترين والموتورين. ومن جهة رابعة بدأ “تيار المستقبل” يستعيد جمهوره الذي كان ابتعد عنه لأسباب عدة، منها ضعف إمكاناته المادية في مرحلة سابقة. ومن جهة خامسة بدأ الجيش اللبناني قبول اللقاء مع جماعات طرابلسية وإن إسلامية من أجل مناقشة مطالبها واعتراضاتها ومشكلاتها والعمل على حلها بالتعاون معهم.
ماذا عن الأمور الأخرى التي يخشى البعض أن تعيد أجواء الفتنة في أكثر من منطقة؟