فجأة، احست معظم، إن لم نقل جميع العائلات الأردنية، بأن لها ابناً اسمه معاذ الكساسبة، لم تكن تعرف عنه من قبل، بيد أن سقوطه رهينة في أيدي «داعش» نزل كالصاعقة على كل بيت أردني … طفقنا نبحث عن صورٍ له، ونجمع ما تيسير من أخبار ومعلومات حوله، فبدا لنا مألوفاً وقريباً، بل وفرداً من أفراد العائلة.
حاولنا أن نتخيل وقع الخبر على أهله وذويه، فاعتصرنا الألم مثلما اعتصرهم، وأخذتنا الدهشة والمفاجأة حتى ظننا أن ألستنا قد عقدت وعجزت عن الكلام المباح … لكننا ونحن في لحظة الغرق بهذه المشاعر الحزينة والمؤسفة، استيقظنا على حقائق، لم نتوقف لحظة أمامها ونحن نتابع الحرب على الإرهاب وانخراط الأردن النشط فيها منذ عدة أشهر.
تذكرنا أننا في حرب، وأننا لم ندع لنزهة قصيرة، نقضيها مع عائلاتنا وأحبابنا، وما من حرب إلا وفيها من الخسائر ما يدمي قلوب الجانبين المتحاربين … كما نعرف أن أمراً كهذا، بل وأكثر منه، قد يحدث، لكننا بشر كسائر خلق الله، نعتقد دائماً أن «الأسوأ» قد يصيب الآخرين، وعندما نصاب بمكروه، نتصرف كما لو أن الأمر قد حصل من دون استئذان، ربما لهول المفاجأة.
سقوط الطائرة، وأسر الملازم أول الكساسبة، لن يثني الدولة الأردنية عن خياراتها الاستراتيجية، أحسب أن معاذ وأهله، يعرفون ذلك، ويقبلون به ويدافعون عنه، مثلنا وربما أكثر منا جميعاً … سقوط الطائرة حطاماً، وسقوط الأسير في أيدي «من لا يرحم» لن يحطم صمود المجتمع الأردني، ولن يضعف قدرته على مواجهة الأخطار والتحديات، بل رأينا العكس من ذلك تماماً، رأينا درجة أعلى من التماسك والتوحد خلف القوات المسلحة وسلاح الجو ومعاذ الكساسبة، وأهله وذويه، فجميعنا مصاب بالواقعة الأليمة، وجميعنا نصلي لعودة الأسير سالماً غانماً إلى أهله وذويه.
وإذا كان من الجائز أن نختلف حول قرار المشاركة في التحالف الدولي المناهض للإرهاب من قبل، فأحسب أنه بعد واقعة سقوط الطائرة وأسر الطيار، فإن هذا الخلاف يجب أن يُدفع إلى الخلف، ولا أقول يجب أن يتوقف أو ينتهي، فذلك ليس من طبيعة البشر ولا من سمات الاجتماع البشري … أحسب أنه يتعين علينا إدارة خلافاتنا بصورة لا تمكن خاطفي الكساسبة، من الاعتقاد بأنهم حققوا نصراً، أو أنهم نجحوا في تفريق صفوفنا وإثارة البلبلة في أنفسنا أو المس بوحدة الموقف والجبهة الداخلية الأردنية … هذه حربنا، والكساسبة أسيرنا الذي يتعين علينا أن نبذل كل جهد متاح، من أجل استرداده سالماً معافى، وفي أسرع وقت ممكن.
ننتظر إعلان داعش عن خياراتها وقراراتها، بعد سلسلة الاجتماعات التي عقدتها الجهات الأمنية والشرعية فيها بشأن الطيار الأسير … ونأمل أن يتغلب صوت العقل والحكمة على هؤلاء، وأن يحتكموا إلى تعاليم الإسلام الصحيح في التعامل مع أسرى الحروب، وأن يفكروا بمساومات ومقايضات «واقعية»، تجعل تحرير الكساسبة أمراً ممكنا، حتى وإن اضطررنا لتجرع السم، والقبول بما لم نتمن القبول به من قبل، فالأولوية لحياة الأسير وحريته قبل أي شيء آخر.
نعرف أن «داعش» عودتنا على الرسائل الوحشية، والمطالب غير الواقعية … رأينا شروطاً تعجيزية يتقدم بها التنظيم في مناسبات مختلفة، ومع أطراف أخرى، انتهت جميعها بكوارث، من دون أن تستفيد «داعش» شيئاً، سوى إضفاء المزيد من الوحشية على صورتها المتوحشة أصلاً … نأمل أن يكونوا قد تعلموا الدرس، وأن يجنحوا للخيارات الواقعية في التعامل مع قضية الأسير، ونريد أن نرى بعض داعمي داعش، ومقدمي التسهيلات لها من شتى الأنواع، وقد تصرفوا بقدر من الحكمة، وسيّروا وسطائهم و»ضباط اتصالاتهم» لدى تنظيم الدولة، لتسهيل مهمة تحرير الأسير الأردني.
الأردنيون ماضون في طريقهم، ومتوحدون أكثر من أي وقت مضى، وهم إذ يعتبرون قضية معاذ الكساسبة، قضية كل واحد منهم، إلا أنهم يتخلون عن مواقعهم ومواقفهم وتحالفاتهم وأولوياتهم … والتأكيد على هذه الحقائق، هو الذي سيختصر معاناة الكساسبة، ويضمن عودته سالماً إلى أهله وذويه.