دخل مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، والرامي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة وفق جدول زمني محدد، مرحلة تكسير العظام خاصة في ظل ما بدا واضحا أنه تهديد أمريكي باستخدام حق النقض الفيتو عن طرحه للتصويت، بعد انتهاء المشاورات بين الأطراف المختلفة سواء عربيا أو أوروبيا أو أمريكيا، رغم أن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لم تؤكد هذا المنحى لكنها أشارت إلى أن بلادها تعترض على المشروع، وهو ما فسره محلل سياسي في واشنطن بأنه لا يحمل سوى معنى وحيد، يتمثل في اللجوء إلى استخدام الفيتو فهو السلاح الذي تجيده الإدارة الأمريكية، لإجهاض أي قرار يعرض على مجلس الأمن يتعلق بحليفتها الإستراتيجية ذات الطابع الاستثنائي في المنطقة، الأمر الذي تسبب في قطع الطريق على كل الحلول التي طرحت في السابق لإنهاء الصراع العربي الصهيوني.
ومع ذلك فإن ثمة حرصا وإصرارا فلسطينيا، مدعوما من الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب للمضي قدما على طريق التصويت على مشروع القرار، بعد أن تقدمت الأردن الدولة العربية العضو في مجلس الأمن به بالفعل ليلة الأربعاء الماضي، باعتبار أن ذلك يعكس التطبيق الحي لخيار الدولتين والذي يحظى بإجماع إقليمي ودولي، ولكنه لم يصل بعد إلى مرحلة اقتناع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني به لترجمته على الأرض.
وعندما حانت اللحظة من خلال التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن أصيب قادة الكيان بالذات بالهلع والرعب، إلى حد اعتبار الخطوة إعلان حرب من قبل الفلسطينيين ضد الدولة العبرية، حسبما عبر عن ذلك وزير الدفاع “موشيه يعالون”، بينما اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خطوة عدوانية أخرى من جانب السلطة الفلسطينية، ووصل الأمر إلى حد التهديد بحل السلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس – أبو مازن- لأنه يواصل قيادة إجراءات لا تستهدف إلا مشاكسة إسرائيل، دون أن تعود على الفلسطينيين أنفسهم بأي فائدة – على حد قول ليبرمان – القادم إلى وزارة الخارجية من رحم التطرف اليهودي، فضلا عن التوسع في المشروع الاستيطاني الصهيوني إلى مناطق جديدة في القدس المحتلة والضفة الغربية.
واللافت أنه قبل أن تبدأ الاتصالات، من قبل الوفد الوزاري العربي في باريس يوم الإثنين الماضي مع وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة، سارع جون كيري إلى استدعاء بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني إلى مقابلته، وكان آنذاك يزور العاصمة الإيطالية –روما – فخرج الأخير، معلنا رفضه للتوجه إلى مجلس الأمن، وهو ما يعني أن كيري لم يتمكن من إقناعه – أو بالأحرى لم يحاول – بإمكانية القبول بالطرح الفلسطيني، الذي يتضمنه مشروع القرار مستهدفا إنهاء الاحتلال في فترة زمنية تستغرق عامين، وهو ما أكده نتنياهو قبل أيام بقوله خلال لقائه بمجموعة من الدبلوماسيين الإسرائيليين، بأنه لن يوافق على أي إملاءات أحادية الجانب سواء من قبل المجتمع الدولي أو مجلس الأمن – حسب تعبيره – وأن أبو مازن لن يستطيع تهديد الإسرائيليين، فهو غير مستوعب لنتائج الإجراءات التي يقوم باتخاذها في مجلس الأمن والتي ستصب في صالح سيطرة حماس على الضفة الغربية، مثلما حدث من قبل في قطاع غزة.
وتؤشر هذه المواقف المعلنة سواء أمريكيا أو إسرائيليا، بأن استخدام الفتيو من قبل واشنطن بات مرجحا للغاية حسب ما يقوله الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ونائب رئيس المركز القومي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة، وإن كان من ناحية أخرى يرى أن التعديلات التي أدخلتها فرنسا على مشروع القرار الفلسطيني، قد تدفع واشنطن إلى ترك القرار يمر، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لوقف هذا التوجه الفلسطيني، دون أن يستبعد في الوقت ذاته إمكانية حدوث مفاجآت خلال الساعات المقبلة، تتمثل في إعلان الإدارة الأمريكية عن تقديم ضمانات إلى القيادة الفلسطينية، من أجل سحب مشروع القرار وهو أمر سيصعب عليها الإقدام عليه، في ظل عدم ثقتها في الموقف الأمريكي ولا في إمكانية الوصول إلى تسوية في ظل وجود حكومة بنيامين نتنياهو.
في ضوء هذا التطور المرتقب من قبل الإدارة الأمريكية، فإن الجانب العربي يحذر من مخاطر اللجوء إلى استخدام الفيتو فهو- وفقا لما أكده لكاتب السطور السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة – سيضر بالقضية الفلسطينية، وسيستغله المتطرفون، وسيعلي في الآن ذاته من سقف الإحباط واليأس على نحو يسهم في تأجيج التوتر الراهن في المنطقة، ومن ثم يتطلع إلى أن تتجاوب الولايات المتحدة مع الجهود الرامية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وفق سقف زمني محدد، وذلك من خلال تجنب اللجوء إلى استخدام حق النقض – الفيتو- ضد مشروع القرار الفلسطيني، وأن تتبنى في المرحلة الراهنة موقفا جديدا يساعد على تكريس السلام في الشرق الأوسط، وينهي الصراع العربي الفلسطيني الذي يمتد إلى أكثر من ستة عقود مستندا في ذلك إلى قناعة لديه بأن واشنطن هي من تقبض إنقاذ المنطقة، إذا ما وافقت على مشروع القرار الأمر الذي من شأنه أن يعيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى خيار المفاوضات، الذي سيقود إلى إنهاء الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وفق حل الدولتين.
وثمة تفاؤل لدى السفير صبيح في ضوء ما يشهده مجلس الأمن حاليا من مشاورات واتصالات، لإجراء بعض التعديلات على مشروع القرار المقدم إليه، وذلك بهدف أن ينال أكبر مساحة من التأييد له سواء من قبل الأعضاء الدائمين بالمجلس، أو من الدول غير الدائمة العضوية أو المجموعات الدولية في الأمم المتحدة، ويقول: إن ممثلي المجموعة العربية في نيويورك، وكذلك الأمانة العامة للجامعة العربية وعددا كبيرا من وزراء الخارجية العرب، قاموا خلال الساعات الأخيرة بتكثيف اتصالاتهم مع أعضاء مجلس الأمن وغيرهم من أطراف مؤثرة في المنظمة الدولية، من أجل الوصول إلى مشروع قرار يحقق أهداف التحرك العربي وفي الوقت نفسه يستجيب لمطالب بعض الأطراف الأخرى، ويشير إلى أن هناك في هذا الصدد مشروع قرار فرنسي إلى جانب المشروع الفلسطيني المدعوم عربيا، فضلا عن أنباء تتحدث عن مشروع قرار أمريكي لم يطرح بعد لكنه يشدد على أهمية ألا تخل عملية التوافق التي تسعى إلى بلورتها المشاورات الحالية في مجلس الأمن بالهدف الأساسي الذي تسعى إليه القيادة الفلسطينية والجانب العربي، والمتمثل في تحريك المياه الراكدة للوصول إلى مفاوضات حقيقية وجادة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وتحديد موعد لانسحاب القوات الإسرائيلي، وكذلك تحديد زمن للمفاوضات وللوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وهو ما يحظى بموافقة الجميع ماعدا إسرائيل وبعض الأطراف الدولية المساندة لها.
وبالطبع يتبقى السؤال الجوهري: ما العمل أمام الفلسطينيين في حال اللجوء الأمريكي إلى استخدام حق النقض لإجهاض مشروع القرار الفلسطيني؟ الإجابة قدمها الفلسطينيون أنفسهم عبر مسارين، جسد أحدهما الخيار السياسي من خلال طلب الانضمام إلى المنظمات والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية والأخيرة تتيح المطالبة الفلسطينية بالتقدم إليها لإجراء محاكمات لقادة الكيان الصهيوني، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة إنسانية ضد الفلسطينيين، وهو خيار يحبذه الرئيس محمود عباس وأعلن عنه بوضوح خلال الساعات الأخيرة نبيل شعث مسؤول العلاقات الدولية باللجنة المركزية لحركة فتح، بينما الخيار الثاني ينزع إلى العودة إلى خيار الانتفاضة الشعبية وإعلان المقاومة وهو ما تميل إليه قيادات راديكالية بفتح وأغلبية الفصائل الفلسطينية الأخرى.
العزب الطيب الطاهر/مرحلة تكسير العظام في مجلس الأمن
10
المقالة السابقة