الدورة الثانية للإنتخابات الرئاسية في تونس التي تُجرى غداً ستقرر مستقبل هذا البلد الذي افتتح موسم الثورات العربية وقد تحوّل معظمها صراعاً دموياً بعد محاولات الاسلام السياسي مصادرة التغيير وإعطاءه لباساً لا يتماشى قطعاً مع مفهوم الديموقراطية.
ليس واضحاً ما اذا كانت “ثورة الياسمين” التي افتتحت فصل التحوّلات العربية العاصفة، سترسم معالم هبوط تونسي هادئ ومستقر على أسس من الديموقراطية، فرغم ان الدورة الأولى من الانتخابات أكدت تقدم الباجي قائد السبسي رئيس حزب “نداء تونس” العلماني المعارض للإسلاميين، فإن مواقف منافسه المنصف المرزوقي المدعوم ضمناً من “حركة النهضة” والإسلاميين، تركت مخاوف دفعت السبسي قبل يومين الى القول: “عندي هاجس ان لا يعترف المرزوقي بنتائج الانتخابات… انه متطرف وخطير”!
وكان المرزوقي الذي حل ثانياً وراء السبسي في الدورة الأولى، قد أعلن “انني على يقين بأنهم لن ينجحوا إلا بالتزوير”، ورغم ان الهيئة المكلفة تنظيم الإنتخابات وجّهت اليه تنبيهاً، فقد ترك تصريحه شعوراً لدى التونسيين، بأن هزيمته التي ستشكل ضمناً ضربة موجعة تتلقاها “حركة النهضة” يمكن ان تفتح الابواب على حال من عدم الاستقرار.
المرزوقي بدا وكأنه يتحسس الفشل سلفاً، عندما دعا المواطنين الى ان يكونوا “عيون تونس ضد التزوير”، معتبراً ان نجاحه يعدّ مسؤولية كل التونسيين، وهو ما أثار ردوداً مستنكرة رأت ان تصريحاته تمثّل خطراً على الديموقراطية، لأن التشكيك الإستباقي في نزاهة الإنتخابات مدخل الى الفتنة والفوضى.
في اي حال، تأتي الأرجحية المتوقعة لحزب “نداء تونس” الذي يضم يساريين ونقابيين ومنتمين سابقين الى حزب التجمع ايام زين العابدين بن علي، في أعقاب الانتخابات التشريعية التي قلبت الموازين السياسية بفوز “نداء تونس” والعلمانيين بأكثرية مقاعد البرلمان أمام “حركة النهضة” التي حكمت البلاد منذ الثورة، وهذا يعني نوعاً من الإستدارة السياسية شبه الكاملة لم تكن في حسبان “حركة النهضة” والاسلاميين.
المرزوقي (69 سنة) ركّز حملته الانتخابية على اطلاق شعارات تقول ان السبسي وحزبه ومن يقف وراءهم من النقابيين والعلمانيين يمثّلون خطراً على الثورة لأنهم يشكلون امتداداً لمنظومة الحكم السابق، بينما كان واضحاً ان السبسي (٨٨ سنة) يركز على إعادة هيبة الدولة ومكافحة الإرهاب الذي اوقع منذ عام ٢٠١١ عددا كبيراً من الضحايا في صفوف الجيش وعناصر الأمن.
تجيء الإشتباكات بين الجيش التونسي والارهابيين على الحدود التونسية، ثم ظهور التونسي “ابو مقاتل” من تنظيم “داعش”، في شريط معترفاً باغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهما يساريان معارضان للاسلاميين، بمثابة رسالة مبكرة تتوقع هزيمة المرزوقي الذي يدعمه الاسلاميون ضمناً، بما قد يجعل الخوف من رفض الإنتخابات مدخلاً الى احتراق الياسمين!
rajeh.khoury@annahar.com.lb