تعتبر ماليزيا وتركيا المثالين الشاذين في عالم إسلامي يعج بالتخلف. تدين ماليزيا في نهضتها الى عاملين: علمانيتها ونشاط العنصر الصيني فيها، وهذا ما دفع قائدها السابق مهاتير محمد الى استغلال العاملين لمصلحة وطنه.
وفي منتدى الفكر والحضارة، الذي انعقد في كوالالمبور مؤخرا، الذي ترأس مهاتير إحدى جلساته، التي كان موضوعها «الدولة المدنية.. رؤية إسلامية»، عاد الرجل الى سابق اتزانه، وبدت علمانيته في ابهى صورها، عندما بيّن خلاصة تجربته، وإدراكه الواضح لمكامن الخلل والعطب في التجربة العربية، أن ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، والحرب الأهلية ضربتها في العمق، وكان لزاما على كل مكونات المجتمع الدخول في حوار وتقديم تنازلات متبادلة، لكي تستقر البلاد وتبدأ التنمية. وقال ان ذلك أتاح له تحويلها الى دولة صناعية قادرة على المنافسة. وانه ركز جهوده وطاقات وطنه للقضاء على الفقر والبطالة والجوع والجهل، لأن الانشغال بالايديولوجيا الدينية، ومحاولة الهيمنة على المجتمع، وفرض اجندات ثقافية وفكرية عليه لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع، فمع الفقر لا يمكن أن تطلب من الناس بناء الوعي ونشر الثقافة. وقال ان المسلمين صرفوا أوقاتا وجهودا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية. وقال ان قيادة المجتمعات المسلمة والدفع بها إلى الأمام ينبغي ألا يخضعا الى هيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ. فالمجتمعات المسلمة عندما رضخت للفتاوى ولبعض الاجتهادات الفقهية، التي لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ، أُصيبت بالتخلف والجهل، فالعديد من الفقهاء حرموا على الناس استخدام التلفزيون والمذياع وركوب الدراجات.. الخ. مما أثر سلبا في المجتمع، وخفض من نسب العلماء في الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب، بل ان بعض الكتابات حرمت الانشغال بهذه العلوم. وأكد مهاتير أن حركة المجتمع لابد أن تكون جريئة وقوية، وعلى الجميع أن يُدرك أن فتاوى وآراء بعض النخب الدينية ليست ديناً، فنحن نُقدّس النص القرآني، ولكن من الخطأ تقديس أقوال المفسرين واعتبارها واجباً. وأضاف: اننا كمسلمين قسمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرقاً يقتل بعضنا بعضاً، فأصبحت طاقتنا مُهدرة بسبب ثقافة الثأر والانتقام، التي يحرص المتعصبون على نشرها عبر كل الوسائل وبحماس زائد، ثم بعد كل ذلك نطلب الرحمة وان يستوطن السلام والاستقرار أرضنا!
هذا ملخص آراء واحد من أهم القادة المسلمين في التاريخ الحديث، التي قام الزميل ياسر الغرباوي بترجمتها. فهل لدينا آذان صاغية لنسمع من نجح في جمع الهندوسي والبوذي واللاديني والمسلم، وخلق منهم مجتمعاً صناعياً وتجارياً متقدماً رفيعاً بأخلاقه؟