تتصاعد موجات الهجرة والنزوح في المنطقة العربية بشكل يدعو الى القلق والأسى. ففي سوريا نجد أن أكثر من 50% من السكان قد تحولوا الى نازحين في حين وصل عدد المهاجرين الى الاقطار المجاورة والبعيدة أكثر من (4) مليون نسمة نتيجة للحرب الأهلية واصرار النظام على مواقفه وفي العراق هناك أكثر من 30% من السكان تحولوا إلى لاجئين او نازحين وما يقرب من 6 مليون عراقي هاجروا وتركوا العراق الى شتى الاقطار والأمر كذلك في السودان وفي بلدان أخرى كاليمن وليبيا وقبل ذلك بسنين كانت مأساة اللاجئين الفلسطينيين.
اليوم وبعد أن اعلن البرنامج العالمي للغذاء والتابع للأمم المتحدة التوقف عن تقديم الطعام لأكثر من 1.6 مليون لاجئ سوري خارج المخيمات في دول الجوار وخاصة الأردن ولبنان، فإن الأزمة الاجتماعية الانسانية تصل الى مستويات غير مسبوقة. وفي نفس الوقت فإن الأردن – كبلد مضيف راح يتحمل ما لا يستطيع احتماله من أعباء في المحافظة على هؤلاء اللاجئين بشكل انساني وقد بلغ عددهم أكثر من 1.5 مليون لاجئ .
هذه المآسي الانسانية والانهيارات الاجتماعية والكوارث السياسية والضغوط على الدول المضيفة تتفاقم يوماً بعد يوم في حين أن الدولة التي خرج منه أولئك اللاجئون أو ما نسميه “دولة الأصل” لا تتحمل أية مسؤولية، ولا يطالبها القانون الدولي بشيء، ولا يضغط المجتمع الدولي أو منظمات الأمم المتحدة عليها بأي مطالب . وهذا شجع الكثير من الأنظمة السلطوية الحاكمة في اماكن مختلفة من العالم وخاصة الشرق الاوسط وافريقيا أن تتغاضى عن هروب سكانها الى الخارج أو نزوحهم من مكان لآخر بسبب الاضطهاد أو التمييز أو القتل أو الفوضى أو الإرهاب أو غياب الأمن . وهكذا بالنزوح والهجرة تستريح تلك الأنظمة من المسؤولية الوطنية والاجتماعية والدولية وتتفرغ للقضاء على مقاومة النصف المتبقي من السكان للاستمرار في السلطة حتى لو انهارت الدولة بكاملها . وهذا ما وقع في فلسطين عند قيام اسرائيل وفي سوريا وفي العراق وفي السودان في هذه الأيام.
كيف يمكن أن يهاجر الملايين من دولة ما هرباً من القتل ومن الظلم والاضطهاد ولا تتحمل تلك الدولة أية مسؤولية تجاه البقاء المتعلق باولئك المهاجرين والنازحين واقل ذلك توفر الماء والطعام والمأوى والصحة والتعليم ؟ هذا خلل واضح وفاضح في القانون الدولي والانساني على حد سواء، ناهيك على أنه دليل قاطع على الافلاس السياسي والاخلاقي والوطني للنظام الذي يضطر مواطنوه الى هجرة بيوتهم والنزوح الى اماكن اخرى واللجوء الى الدول المجاورة.
وفي المحافل الدولية نلاحظ ان الدول الكبرى التي تتحكم بتوجهات المجتمع الدولي تغض الطرف عن هذه المسألة لسببين : الأول : انها تتحمل مسؤولية أخلاقية أزاء السكوت لسنوات طويلة عن ما تقترفه الأنظمة من اضطهاد وظلم وقتل طالما انها تسير بالاتجاه الذي تقبله تلك الدول والثاني: ان وضع مسؤولية على “دولة الاصل” من شأنه ان يؤدي الى احراج اسرائيل مما يعني ان تتحمل اسرائيل مسؤولية تجاه طرد الفلسطينيين واجبارهم على هجرة بيوتهم وأراضيهم منذ عام 1948 وحتى الآن.
وفيما يخص أزمة اللاجئين عموماً فإن الدول العربية والجامعة العربية كمنظمة متخصصة واتحاد المحاميين العرب واتحاد البرلمانيين العرب مطالبة بالتحرك الى الأمم المتحدة ووكالاتها والى المؤسسات القانونية الدولية والى مجلس الأمن لاستصدار نصوص قانونية تحمل “ دولة الأصل” أياً كانت هذه الدولة مسؤوليات النزوح والهجرة انسانيا وسياسيا واخلاقيا واقلها مسؤولية الإعاشة الانسانية أو البقاء المتمثل في الغذاء والمأوى والصحة والتعليم. وينبغي أن تكون تكاليف هذه الاعاشة ديناً دوليا يتوجب على “ دولة الأصل “ دفعه للدول المضيفة أو لأي من المنظمات الدولية ذات العلاقة. وفي خلاف ذلك ستجد الأنظمة العنصرية والدكتاتورية الفردية والغاصبة للسلطة أن أسهل الحلول أمامها هو اجبار اجزاء كبيرة من سكانها على الهجرة الى الخارج وبذلك تستريح من مطالبهم وتتخلى عن مسؤولياتها تجاههم .
إن المتوسط العالمي لامتداد النزاعات المسلحة كما هو الحال في المنطقة العربية يتجاوز مدة الـ (10) سنوات كما أن حالة اللجوء والهجرة تستمر بالمتوسط (17) عاماً. وهذا يعني أن على الدول المضيفة أن تكون مستعدة لتحمل أعباء اللجوء لسنوات طويلة تتعدى نصف الجيل بكل ما يلقيه ذلك من اشكالات مالية واجتماعية وأمنية مضنية، بينما يستريح النظام في “دولة الأصل” وكأنه غير مسؤول. هذه الحالة لا يستفيد منها سوى طرفين الاول: اسرائيل لأنها تمثل الطريق الاقصر الى انهيار الدول العربية وتفتتها وتحويلها الى دويلات هزيلة والثاني: المجموعات الارهابية والمتطرفة لانها ستجد في كل ذلك بيئة خصبة وحاضنة متسعة نتيجة الاحباط واليأس والرغبة في الانتقام . فهل يمكن للجانب العربي وخاصة الجامعة العربية أن تتحرك في هذا الاتجاه عسى أن يكون مستقبل اللاجئين أفضل من حاضرهم.