لو استطاع أي متابع لسير الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي قراءة التقرير المقدم إلى مؤتمر القمة الخليجية في الكويت عام 2013 لهاله الأمر بين الواقع والمكتوب.
(1)
بعد مرور 33 عاما على تأسيس مجلس التعاون الذي نصت مواد التأسيس على التنسيق الوحدوي في كل المجالات بين الدول المشكلة للمجلس وهي (المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان)، من حقنا نحن شعب الخليج العربي طرح مجموعة من التساؤلات عن مسيرة المجلس وماذا حققت من الإنجازات وفي أي المجالات؟
وهنا أرجو أن تتسع الصدور لكل العاملين في الأمانة العامة للمجلس وكذلك في وزارات الخارجية لكل دولة، للقول: لقد تناولتم في تقريركم عن إنجازات المجلس المقدم لقمة الكويت الخليجية عام 2013 أنكم تناولتم موضوع الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، واعتبرتم ذلك إنجازا، وتناولتم موضوع التسلح النووي الإيراني في قممكم وبياناتكم الختامية فهل تعتبرون ذلك إنجازا أو واجبا وطنيا مقدسا حتى يتم تحقيق تلك المطالب؟. وكذلك تناولتم الشأن السوري وما يحيط بسوريا الحبيبة من كوارث بشكل يومي، وهل تعتبرون انتقادكم لحزب الله في تدخله المسلح في الشأن السوري إنجازا؟، وكذلك ترحيبكم بانتخاب رئيس للائتلاف الوطني السوري المعارض للنظام، ومباركتكم لاختيار السيد تمام سلام لرئاسة الحكومة اللبنانية، وإعرابكم عن الثقة باختيارات الشعب المصري الشقيق لنظام حكمه، والترحيب بنتائج مؤتمر المانحين لمساعدة السودان للخروج من أزماته المالية، هل اعتبرتم تلك الأعمال إنجازا لدول المجلس؟ هذه التساؤلات فقط في المجال العربي، ولم أهمل ما تحدثتم عنه كإنجاز بالنسبة لأزمات في آسيا مثل ميانمار وغيرها، وإفريقيا مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وغير ذلك من الأزمات هل حقا تعتبرونها إنجازات أو أنكم تناولتموها من أجل التذكير باهتماماتكم، والحق أنها جاءت تحت بند الإنجازات.
(2)
في المجال العسكري:
ورد في بيانكم لعام 2013 أن المجلس اعتمد اتفاقية الدفاع المشترك فهل في ثقافتكم السياسية يعتبر التوقيع على هذه الاتفاقية بعد 33 عاما إنجازا يشار إليه بالبنان، وهل تعتبر موافقة المجلس الأعلى على الإستراتيجية الدفاعية إنجازا علما بأن كل أراضي وأجواء وبحار دول المجلس تعج بها القواعد العسكرية الأجنبية، درع الجزيرة التي اعتبرت من الإنجازات في بيانكم أمر يبعث على الحزن والأسى لأن قوات درع الجزيرة ليس لها عقيدة دفاعية قتالية وليس لها وحدة سلاح التي تدفع إلى وحدة فن القتال في ميادين المعارك، إيران بعد 33 عاما من قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية امتلكت كل أسلحة الدمار الشامل، وهي تحلق اليوم في معراج التسلح النووي ووسعت مجالها الحيوي من شرق أفغانستان إلى شرق البحر الأبيض المتوسط مرورا بالعراق وسوريا البائسة، ومن شمال القوقاز حتى جنوب الجزيرة العربية، في هذه الفترة إيران طورت سلاحها الصاروخي بقدرات تدميرية عالية وأصبح مداها يغطي كل أرجاء الوطن العربي وأوروبا الشرقية وحتى باكستان، ولها قوة بحرية متقدمة وتملك أكثر من ثلاث غواصات.. تلك يا سادة هي موازين الإنجاز أما نحن فنتحدث عن إنجازات دفترية ولا غير.
(3)
في المجال الأمني:
أوردت وثيقتكم المشار إليها 31 بندا تتعلق بالأمور الأمنية ولن أستعرضها كلها ولكنني أتوقف عند بعض البنود، ومنها على سبيل المثال تنظيمكم لأسبوع المرور السنوي يعتبر إنجازا، وكذلك استعمال البطاقة الشخصية في التنقل بين الدول الأعضاء، في شأن البطاقة والتنقل بها، ما هو الفرق بين حامل جواز السفر وحامل البطاقة الشخصية؟ الجواب عندي لا فرق، فكلاهما يقف أمام نافذة ضابط الهجرة والجوازات ليفحص وثيقة سفر القادم إلى الدولة المعنية سواء كان جواز سفر أم بطاقة شخصية، كل المعلومات الأمنية في شروطها بين وزارات الداخلية مسجلة على البطاقة كما هو الحال في جواز السفر، إذا، ما فرقت يسافر بجواز سفر أم بالبطاقة وهذا في حد ذاته لا يكون إنجازا على الإطلاق، والرأي عندي أن الإنجاز في هذا المجال أن المواطن الخليجي بمجرد خروجه من نقطة البدء يتم فحص أوراقه الثبوتية سواء جواز سفر أم بطاقة ويدخل البلد الثاني دون مرور على إدارة الجوازات كما هو الشأن في الاتحاد الأوروبي أو التنقل بين مكونات الاتحاد الفيدرالي الأمريكي ذلك هو الإنجاز ولا غيره، أما مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف فذلك مطلب دولي ولا شأن له بموازين الإنجاز.
(4)
في المجال الاقتصادي:
لن أتناوله لضيق المساحة واتساع الموضوع ولكنني أتناول موضوع الطاقة التي أتيتم عليها، هل كل إنتاج النفط في دولة الإمارات على سبيل المثال موحدت وتحت السلطة الاتحادية أو أن إنتاج إمارة أبو ظبي بمفردها وهي عضو في منظمة أوبك والأوابك العربية؟، وهل الأسعار لهذه السلعة موحدة في هذا المجال؟، وأين العملة الموحدة؟، وهل هناك وحدة للمالية العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وأين البنك المركزي؟
كلها أمور تحتاج إلى مناقشة ويجب على القائمين على الأمانة العامة ألا يبالغوا في الإنجازات لأن المواطن الخليجي لم يعد مواطنا غير واع بل أصبح أكثر وعيا بتجارب الشعوب الناجحة والفاشلة.
آخر القول: ليس هناك إنجاز يعتد به إلا أن المجلس ما انفك قائما، وتجاوزا نقول أنجز في مسألة تحرير الكويت، لكنه فشل في العراق، وفشل في اليمن وفشل في سوريا وليبيا، وحققت إيران إنجازات عملية في كل الحقول حتى في كسر الحصار الاقتصادي الدولي المفروض عليها، وأخيرا من تواضع لله رفعه.
محمد المسفر/مجلس التعاون الخليجي وموازين الإنجاز
20
المقالة السابقة