عروبة الاخباري- خاص- كتب سلطان الحطاب – و كتابي عن السلطنة والسلطان قائد وامة ماثل للطباعة.. يمرض السلطان وينقل الى احدى المستشفيات الالمانية ويبدأ رحلة العلاج وتوازن عمان نبضها مع نبضه ويحبس العمانيون انفاسهم ويبحثون عن اخبار السلطان وسط ادعية متصلة تلهج بها شفاههم، فاجيالهم منذ اكثر من اربع عقود وهي تلتف حوله وتؤمن بقيادته وتبادله حبّا بحب ومودة واخلاصا على ما قدم لهم .
فقد اقلعت المسيرة السلطانية بالعمانيين من تحت الصفر لتقطع مسافات تاريخية من خلال الجغرافيا العمانية التي عكست ارادة التطور واللحاق بالمجتمعات الدولية المتقدمة او المتطلعة للتقدم. وتبدا الرؤية السلطانية في الترجمة لتضع كل ريال عماني في موضعه من التنمية حتى غدت عمان في موقعها تنافس الدول النفطية الخليجية او تلك التي سبقتها في امتلاك المال او بدء المسيرة..
ويمضي السلطان سنوات زادت عن اربعة عقود ونصف في قيادة حكيمة متزنة تضع مصالح العمانيين اولا وتكسب لعمان الاصدقاء وتحييد الاعداء وتؤمن بالحياد الايجابي وتصفير الخلافات للتفرغ للتنمية الداخلية..
وحين كان السلطان يرى ان لدى عمان فائض وقت وجهد وعطاء كان يوصل فيها البعد الانساني التاريخي الذي بنته لنفسها في عقب مختلفة من التاريخ بلغت ذروتها في الوقت المعاصر فالوساطات العمانية اثمرت في اكثر من محطة سواء في محطات المصالحة الخليجية او العربية او الاقليمية وحتى الدولية، ولعل آخر هذه المحطات، استضافة عمان لجولة مسقط في مفاوضات النووي بين (5+1) والتي تشمل دولا اوروبية والولايات المتحدة وايران..
وقد كان للسعي الايجابي العماني في هذا السبيل نتائجه الايجابية فقد وفرت عمان مناخا صحيا للتفاوض واسست لبناء هذا المناخ بالزيارة السلطانية المعروفة لطهران والالتقاء بالقيادات الايرانية وعلى راسها مرشد الثورة الاسلامية الايرانية، وفي هذا السياق نجحت الدبلوماسية الايرانية في توفير حاضنة مناسبة للتفاوض بحيث قدمت المكان ووفرت الامن والامان ومتطلبات اخرى..
لقد بنى السلطان في عمان دولة المؤسسات واعلى من شأن ذلك وقيمته ولذا بقيت عمان حتى اللحظة ومع غيابه عن التراب الوطني العماني تسير باقدام ثابتة ورؤية بصيرة سواء بوجود السلطان على ارض عمان وحتى وهو بعيد عنها..
وكانت مشيئة الله عز وجل ان يمرض السلطان وان يغيب جسدا عن ارض عمان في حين ظل عقله ووجدانه وارادته مرتبطة بالانسان العُماني والمكان العُماني. وظل يتابع حال العمانيين واحوالهم بحرص ومحبة وازت احساسه بمرضه واحيانا فاقت ذلك حين كان دائما يؤمن انه انما يكرس حياته لشعبه ووطنه وان سعادته تعبر من هذا الباب..
لقد استطاعت قيادة السلطان ان تحمل عمان الى حيث ارادت والى برّ الامان والى حيث يستطيع الانسان العماني ان يُعبر عن نفسه..
وياتي مرض السلطان قابوس في وقت عصيب اذ مازالت رياح التغيير التي تحمل مسميات مختلفة تهب على المنطقة والاقليم فتترك آثارا واضحة ومؤلمة احيانا وتختلط البشرى فيها بالنذير وتدور الدوائر لتصيب العديد من بلداننا وشعوبنا لتكون الصورة دامية.
وياخذ العمانيون على عاتقهم وهم يمسكون بقيادة السلطان ويرجون عودته حماية وطنهم والتصدي للتحديات الماثلة الداخلية والخارجية وخاصة المتربصة بالاستقرار العماني والمستهدفة له باشاعة الفوضى او ترويج الطائفية والمذهبية والانقسام..
الذين يقرأون واقع الحال العربية والاقليمية يجدون عمان في ظل سياسة السلطان مستقرة، غير متدخلة بشؤون الاخرين، قرارها الاقليمي والعربي مستقل برؤية ايجابية غير متصادمة، واقتصادها ينمو ويحافظ على توازنه والعمانيون لهم الاولوية في التشغيل ضمن سياسة التعمين، والتنمية الاقتصادية وحتى الاجتماعية بمكوناتها التعليمية والصحية وبناء الانسان تاخذ الاولوية، والبلاد آخذة على الانفتاح المدروس وتعظيم الاستثمارات وتشجيعها بكل انواعها المحلية والدولية، ولدى عمان فائض عطاء في نقل رسائل انسانية ورسائل سلام ومساهمة ملموسة في الاستقرار والسلام الدوليين وشجب الارهاب والتوقف عند اسبابه وعدم الانحياز لغير المصالح العمانية التي يقررها وعي القيادة العمانية على المعطيات المتغيرة في المنطقة..
لا يستطيع احد ان يمنع المرض ويظل الشفاء أُعطية الله فهو يشفي… ويقبل العمانيون قضاء الله وقدره وهم لا يستطيعون رد القضاء ولكنهم يواصلون الدعاء من اجل اللطف به وهم في ذلك صادقون..
ولا نجد في هذا المقام وهذا الكتاب ماثل للطبع الا ان نتوقف عند كلمة السلطان قابوس بن سعيد شافاه الله وعافاه من غرفته في المستشفى التي يعالج فيها الى شعبه الوفي يخبره عن حالته الصحية وعن شكره الموصول لشعبه والرغبة الكبيرة في ان يبعد عنهم الحزن ويقرب منهم البشرى والفرح فالمسيرة التي قطعت (44) عاما مقدمة لديه عن اخبار مرضه لان المسيرة عنده هي الحياة التي انجزها اما الاعمار فبيد الله وهو يراها اي المسيرة ثابتة وظافرة تشير وفق ثوابت وتصعد للامام لانها بنيت منذ اليوم الاول على صواب وكانت في مقدمات صحيحة وهي بلاشك موصلة من خلال ما بدات وكرست وما تحلت به من رشد وصلاح للوصول بعمان الى الدولة العصرية راسخة الاركان والدعائم ليكون النماء والتنمية اوراق اعتمادها والمستقبل المشرق الواعد للاجيال العمانية هدفها..
السلطان يهنىء شعبه ويزرع فيه التفاؤل ويرى ان الارادة الالهية فوق كل قدرة وهي التي املت وجوده خارج وطنه حيث يتزامن ذلك مع ذكرى النهضة..
لا يُفرط السلطان في الحديث عن نفسه وصحته ولا يذكرها الا من باب حق العمانيين في معرفة حال السلطان وسلامته باعتباره املهم وقائدهم وحاديهم ورائدهم الذي لا يكذب اهله..
والسلطان شاكر دائما لله ولشعبه ولفضل شعبه عليه بالسؤال عنه والامتنان له حتى في اللحظات الصعبة ومعاناة المرض والابتعاد عن الوطن.. ويرى ان ابتعاده لم يكن الا لما صاغه الاطباء من نصائح وما قدموه من علاج وما اقتضته حالته. وهو يرى ضرورة ان يبادل حب العمانيين بالحب ووفاءهم بالوفاء وجميلهم بالجميل.وهو يحيي فيهم قواتهم المسلحة بكل قطاعاتها في جميع ثغور الوطن فهو قائدها وهو الخبير بها وبمناقبيتها وطهارة سلاحها وحرصها على الامن الوطني.. ويرى ان مكانتها مقدمة وان دعمها واجب وضرورة لتقوم بواجبها وتؤدي رسالتها..
لقد جاءت كلمة السلطان انسانية مقتضبة تفي بالحال القائمة تبعد التشاؤم ولا تفرط في التفاؤل وانما تضع عمان ونهضتها ومسيرتها ومكاسب شعبها ووحدتها الوطنية في الاعتبار الاول تذكيرا وثناءا وتعظيما للوفاء..
الرسالة السلطانية المتلفزة . كانت البدر في ليل عمان الحالك لغياب السلطان وكانت البلسم والترياق الذي وصل وهبة النسيم في جو قائظ ضيق … تنفس العمانيون الصعداء وعادت قلوبهم تخفق بالوفاء والمحبة بعد ان ظلت حزينة منذ غادر السلطان ارض الوطن للعلاج..
هناك رابطة بين السلطان وشعبه لا يدركها الا الراسخون في المعرفة العمانية ومن عرفوا السلطنة من قبل ومن بعد وفي الاثناء.. فالشعب الحزين لمرض سلطانه يخرج عن بكرة ابيه بدعاء تلهج به الالسنة ويشتري صبرا وانتظارا ليوم العودة المستبشرة وهم وفاء لذلك اليوم يحافظون على الامانة والوديعة التي بين ايديهم وهي استقرار عمان ووحدتها الوطنية..
كان الشعب العماني موحدا في مسيرته وقد زاده مرض السلطان توحدا ووفاء لا انقساما واختلافا والى ان يكتب للسلطان الشفاء والعودة فان عمان ستبقى على عهده وفية له ولمبادئه وما آمن به..
اكتب وسط قلق العمانيين وانتظارهم ودعائهم لسلطانهم بالشفاء العاجل والعودة الميمونة وما ذلك على الله بعزيز..