لا أدري، نضحك أم نبكي عندما نسمع وسائل إعلام «المماتعة والمقاولة» وهي تتشدق بصمود بشار الأسد والانتصار على «المؤامرة الكونية» وإفشالها. فإذا كانت المؤامرة قد فشلت، وأدت إلى دمار سوريا وتهجير شعبها، فكيف لو نجحت، لا سمح الله؟ كيف كان سيكون وضع سوريا؟ ربما انتصار آخر ويختفي بلدنا عن الخارطة!
يا من تتفاخرون بصمود بشار الأسد وانتصار الدولة السورية: لو عرفتم الحقيقة، لبكيتم دماً على «صموده» المزعوم حتى الآن، فلو سقط، كما سقط حسني مبارك وزين العابدين بن علي، لما وصلت سوريا إلى هنا. بشار الأسد، أيها المغفلون، لم يصمد، بل أراده أعداء سوريا أن يبقى كل هذا الوقت كي يدمروا بلدنا من خلاله وبواسطته. ونجحوا. لاحظوا أن سقوط مبارك وزين العابدين بن علي في مصر وتونس خلال أسابيع انقذ مصر وتونس من الخراب والدمار الذي حل بسوريا بسبب عدم سقوط الأسد. ولو بقي مبارك وبن علي في الحكم، لكانت مصر وتونس الآن في وضع مشابه لسوريا، لا سمح الله. لكن سقوطهما أنقذا تونس ومصر، وكان نعمة عليهما، بينما كان «صمود» بشار المزعوم نقمة على سوريا والسوريين.
لقد بدأ أعداء سوريا، بمن فيهم روسيا وإيران، على تطويل أمد المحنة السورية ودعم بشار الأسد ورفض أي محاولة لتنحيه عن السلطة منذ اللحظات الأولى. لقد تمثلت المؤامرة الكونية الحقيقية على سوريا في الإبقاء على الأسد، لأن بقاءه يضمن المزيد من الدمار والانهيار خدمة للأعداء.
بشار الأسد كنز استراتيجي لإسرائيل وأمريكا من الناحية العملية، فقد نفذ كل ما تريدانه، وربما أكثر بكثير. هو المغناطيس العظيم الذي جذب إلى سوريا كل أنواع الأشرار ليحولوها إلى أنقاض.
ماذا يريد أعداء سوريا أجمل من ذلك؟ المنطقة بأكملها على كف عفريت بفضل خدمات بشار الأسد. إنه القائد لمشروع الفوضى «الهلاكة». ولو تخلوا عنه في بداية الأزمة السورية، لما استطاع ضباع العالم إيصال الشرق الاوسط إلى ما هو عليه الآن من فوضى واضطرابات وكوارث وقلاقل؟ ولو أرادت أمريكا وإسرائيل لتكافئانه، لشيدتا لبشار تماثيل من ذهب. ومما يؤكد ذلك أن إحدى العواصم شهدت مؤتمراً هاماً مغلقاً حول سوريا قبل مدة، حضره كبار الاستراتيجيين والمسؤولين الغربيين والدوليين: فسأل أحد الحضور مسؤولاً كبيراً: «لماذا لا تتدخلون في سوريا»، فأجاب المسؤول: «الوضع في سوريا مثالي جداً بالنسبة لنا، فكل السيئين الذين نكرههم يخسرون، ويهلكون في سوريا.
كان بإمكاننا أن ننهي بشار الأسد بسهولة، لكن لو أنهيناه، لتوقف الدمار المطلوب. نحن نريد بقاءه مرحلياً، لأنه أشبه بالمغناطيس الذي يجتذب السيئين إلى المحرقة السورية، فيحرقهم، ويحترق معهم».
أيها المتشدقون بصمود بشار: لا تتفاخروا إذاً، بل ابكوا على وطن تمزق، وانهار، وشعب تشرد بسبب «صمود» بشاركم. وهو ما يريده أعداء سوريا بالضبط. أمريكا تدعو إلى تنحي بشار، وروسيا ترفض. لعبة مفضوحة منذ سنوات هدفها تمديد فترة الدمار. يوماً ما ستندمون على التصفيق للصمود «المسموم» الذي كلفنا وطناً، وجعل شعبنا طعاماً للأسماك في عرض البحار، وجعلكم انتم أيها الشبيحة تتسابقون على تقديم طلبات اللجوء في ألمانيا وغيرها.
صمود بشار حتى الآن أشبه بالشجرة التي تحجب الغابة، يستخدمونه ستاراً وذريعة مكشوفة للإجهاز على ما تبقى من وطن كان اسمه سوريا.
سحقاً لصمود كلفنا وطناً كان اسمه سوريا!
٭ كاتب وإعلامي سوري