ثلاث قضايا مهمة تقلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية حالياً وتسبِب لها الأذى في رأي مصدر ديبلوماسي غربي واسع الاطلاع. الأولى هي الوضع في العراق في أعقاب نجاح تنظيم “داعش” في احتلال ثلثه، وفي إزالة حدوده مع سوريا التي يحتل ثلثها أيضاً. وما كان ذلك ممكناً لولا انهيار المنظومة العسكرية والسياسية العراقية التي كانت تعتمد عليها. وما يزعجها أكثر هو اعتبار دول المنطقة بل المجتمع الدولي كله أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة، وخصوصاً “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” الذي أنشأته، على مواجهة “داعش” وأمثاله. والاعتراف بذلك والاعتماد عليه كتجرّع الدواء المرّ بالنسبة إلى الإيرانيين.
ماذا تريد طهران أن تفعل واشنطن في العراق؟
تريد أن تساعد الحكومة بل الدولة العراقية على إلحاق هزيمة شاملة بـ”داعش”. وفي ذلك مساعدة لها ايضاً وإن غير مباشرة. علماً أن التنسيق بين الخبراء العسكريين الأميركيين الموجودين في العراق ثم الذين أُرسلوا إليه بعد نجاحات “داعش” وبين الخبراء العسكريين الإيرانيين المنتشرين في مناطق عراقية عدة قائم ومستمر. ذلك أن المسؤولين الإيرانيين يعرفون تمام المعرفة أن أميركا هي الجهة الوحيدة في العراق القادرة على “إقناع” عشائره السنّية بالانضمام إلى الحرب ضد الإسلاميين المتشددين حتى التكفير وممارسة العنف. وعلى رغم أن الظواهر كلها تشير إلى أن إدارة الرئيس أوباما تتحضَّر لمرحلة هجومية بإرسال مزيد من “الخبراء” العسكريين إلى العراق فأن المعطيات المتوافرة تفيد بوجود مشكلات لم تجد حلاً لها بعد. أولاها أن حكومة الدكتور حيدر العبادي ليست شاملة تماماً كما أرادها الأميركيون. وثانيتها استمرار إيران في تأسيس ميليشيات شيعية عراقية تشابه كثيراً “حزب الله” اللبناني ومقاتليه أو هكذا تتمنى أن يصبحوا.
ما هي القضية الثانية التي تقلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
هي ملفها النووي المطروح على طاولة البحث الجماعي بينها وبين المجموعة الدولية 5+1 والبحث الثنائي مع الولايات المتحدة سواء في سلطنة عُمان أو خارجها. فالمسؤولون الكبار فيها يريدون أن تستمر المفاوضات بعد 24 الجاري، تاريخ انتهاء المهلة الممدّدة للتوصل إلى حل لهذه القضية، أي أن تمدُّد هذه المهلة مرة ثانية إذا عجز المتفاوضون عن التوصل إلى حل شامل أو جزئي يوصف عادة باتفاق إطار سواء مع أميركا فقط أو مع المجموعة المذكورة أعلاه. لكن إرادتهم هذه تصطدم بعقبات عدة أشار “الموقف” إلى اثنين منها يوم أمس، هما عدد أجهزة الطرد المركزي، وعدم سماح إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول بعض منشآتها النووية والعسكرية. وهناك عقبة ثالثة تتعلق بالعقوبات الأميركية والدولية المفروضة عليها. فهي تريد أن يتم رفعها دفعة واحدة فور توقيع الاتفاق الموعود، في حين يصرّ الأميركيون ومعهم أوروبيون على رفعها على دفعات أي بربط هذا الرفع بمراحل تنفيذ الاتفاق الموقَّع.
أما القضية الثالثة فمرتبطة بالثانية المتعلقة برفع العقوبات. فإيران منزعجة جداً من انخفاض أسعار النفط بنسبة تفوق العشرين في المئة، وقلقة من تأثيره على اقتصادها وعلى مشروعاتها التنموية وعلى “استثماراتها” الخارجية، وربما خائفة من انعكاس ذلك سلباً على خدماتها الاجتماعية الداخلية، الأمر الذي قد يتسبَّب “بنرفزة” ثم توتر على الصعيد الشعبي. وما يضاعف قلقها هو اقتناعها بأن عملاً جدياً لعودة الأسعار المذكورة إلى الارتفاع لا يبدو سريعاً، ذلك أن الارتفاع يوظف من أكثر من جهة دولية واقليمية للضغط على جهات منافسة لها أو مخاصمة بهدف تحقيق مكاسب سياسية، أو الحصول على تنازلات سياسية. وفي هذا المجال تعتقد المصادر الديبلوماسية الغربية المطلعة نفسها أن وصول المتشددين داخل النظام الإيراني إلى اقتناع نهائي بأن انخفاض سعر النفط سيستمر طويلاً قد يدفعهم إلى متابعة تسهيل عملية التفاوض أو تسريعها لأن أمام إيران مهمات استراتيجية لا تستطيع التخلي عنها مثل مساعدة نظام الأسد في سوريا و”حزب الله” في لبنان.
في اختصار ترى هذه المصادر أن واشنطن وطهران تحتاجان إلى استمرار التفاوض بعد 24 تشرين الثاني الجاري، ولذلك فإنها لا تستبعد توصلهما إلى حل يجعله ممكناً. وترى أيضاً أن أوباما وعلى رغم هزيمته في الانتخابات النصفية لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في السياسة الخارجية.
sarkis.naoum@annahar.com.lb