عروبة الإخباري – يمثل قرار الولايات المتحدة إسقاط أسلحة جواً للقوات الكردية في سوريا في نفس اليوم الذي وصفهم فيه الرئيس التركي طيب أردوغان بأنهم إرهابيون أحدث نغمة نشاز في العزف المتنافر بصورة متزايدة بين واشنطن وأنقرة.
وبصرف النظر عن مدى تأكيد المسؤولين على الجانبين علناً على وجود انسجام تتسبب الخلافات في الاستراتيجية بشأن قتال تنظيم الدولة اللا-إسلامية ومصير بلدة كوباني السورية الحدودية المحاصرة في توتر العلاقات بين واشنطن وحليفتها الإقليمية المهمة مما يزيد عزلة تركيا بصورة مطردة.
وتحدث أردوغان يوم السبت للصحافيين على متن طائرته الرئاسية الجديدة الفاخرة قائلاً إنه سيكون من غير الملائم للولايات المتحدة أن تسلح قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التي تسيطر على كوباني المحاصرة من قوات تنظيم الدولة اللا-إسلامية منذ أكثر من شهر.
وبعد أقل من ساعة على هبوط الطائرة في اسطنبول تحدث الرئيس باراك أوباما إلى أردوغان عبر الهاتف وأبلغه بأن إسقاط الأسلحة إلى المدافعين عن كوباني يمضي قدماً.
وقال آرون ستين الزميل بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن إن “التحركات الأمريكية تهين أردوغان بالتأكيد. واقعة الإسقاط الجوي هي واحدة من وقائع عدم الاعتداد بتركيا”.
وأكد مقال نشره مستشار لأردوغان يوم الاثنين بعد عمليات الإسقاط معارضة تركيا لمساعدة حزب الاتحاد الديمقراطي وسلط المقال الضوء على الفجوة الظاهرة بين أنقرة وواشنطن.
وبعد ساعات قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا ستعمل مع الولايات المتحدة للسماح لمقاتلي البشمركة الكردية العراقية بالوصول إلى كوباني للدفاع عنها.
وأعطى مسؤولون أتراك كبار تفسيراً ايجابياً للتغير في الموقف. لكن أردوغان واصل هجومه على التكتيكات الأمريكية وعلى التركيز على كوباني.
وقال أمس الخميس: “الآن يوجد هذا الوضع المسمى كوباني. ما هي أهميته؟ جاء حوالي 200 ألف شخص إلى بلدي ولم يتبق هناك مدنيون ما عدا 2000 من مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي.” ووصف مقاتلي الحزب بأنهم إرهابيون.
لكن موقف تركيا ليس له تأثير يذكر على اتجاه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وعلى تحركات واشنطن حسبما يعتقد ستين.
ويقول “لا أعتقد أن تركيا تستسلم للضغط (لتفعل المزيد).. أعتقد أن الناس يتجاهلون تركيا ببساطة”.
ويعترف مسؤولون أمريكيون كبار بالضيق الذي تشعر به تركيا إزاء عمليات الإسقاط الجوي للأكراد السوريين وقالوا إنهم شرحوا لأنقرة أنه علاج مؤقت لن يكون ضرورياً إذا سمحت تركيا بممر آمن لمقاتلي البشمركة العراقيين إلى كوباني للمساعدة في الدفاع عن المدينة.
ووصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إسقاط الأسلحة بأنه “جهد لحظي”. ووصف كيري محادثات أوباما مع أردوغان ومحادثاته هو نفسه مع كبار المسؤولين الأتراك قائلاً “ما قلناه واضح جداً.. (ساعدونا لإدخال البشمركة أو غيرها من الجماعات التي ستواصل هذا الأمر هناك ولن نحتاج لعمل ذلك (إعادة التزويد بالسلاح)”.
وقال مسؤول أمريكي كبير: “لذلك فما فعلنا كان محدوداً جداً فعلياً لكنه استهدف أساساً إقامة جسر للوصول إلى مكان يأتي فيه التموين عبر تركيا من البشمركة الكردية”.
واعترف مسؤول أمريكي كبير ثالث بالتوترات المتبقية لكنه قال إن الدبلوماسية عالية المستوى بما في ذلك اتصال أوباما هاتفيا بأردوغان منعت على الأقل مزيداً من التدهور في العلاقات بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
لكن البلدين سيبقيان على خلاف بشأن طلب واشنطن استخدام قاعدة انجيرليك الجوية لدعم العمليات العسكرية في سوريا في حين يطالب أردوغان بأن ينشئ التحالف المناهض لتنظيم الدولة اللا-إسلامية منطقة حظر جوي فوق سوريا.
وتحتفظ الولايات المتحدة بشكوك بشأن ميول تركيا في سوريا وفي أماكن أخرى في العالم العربي.
وقال مسؤول حكومي أمريكي طالبا عدم نشر اسمه إن الولايات المتحدة تعتقد أن تركيا تلعب لعبة مزدوجة في سوريا فتقدم دعماً معنوياً خفياً على الأقل للدولة اللا-إسلامية في حين تتجنب عمل ذلك علناً.
ولا يعرف المسؤول ما إن كانت تركيا تقدم دعماً مالياً أو عسكرياً للدولة اللا-إسلامية لكنه قال إن واشنطن تعتقد أن تركيا تشارك قطر في تقديم الدعم لفصائل إسلامية وجماعات مسلحة في ليبيا.
وقال المسؤول إن الولايات المتحدة تعتقد أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لديه سياسة قديمة بالسعي سراً إلى مواءمات مع الجماعات الإسلامية إن لم يكن يحاول فعلياً اكتساب حظوة لديها.
مشكلة تصورات
وأصبحت تركيا عضواً على مضض حتى الآن في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتصدي لتنظيم الدولة اللا-إسلامية المتشدد الذي استولى على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق.
وتؤكد أنقرة على التزامها تجاه المنطقة بدليل الجهود الإنسانية التي تضمنت تقديمها المأوى لحوالي مليوني سوري منذ بدء الحرب في 2011.
لكن تركيا أوضحت أيضاً أنها تعتبر الرئيس السوري بشار الأسد تهديداً أكبر من تهديد تنظيم الدولة اللا-إسلامية وطالبت بإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا ومنطقة حظر جوي قبل قيامها بدور عسكري أنشط.
ورغم الإشادة بمعاملتها للاجئين تعرضت تركيا لانتقادات في وسائل الإعلام الغربية بسبب عدم انضمامها لحملة القصف ضد الدولة اللا-إسلامية.
ولم يفلح إنكار المسؤولين الأتراك مراراً وتكراراً في قمع الشائعات عن أن أنقرة سمحت بتدفق أسلحة ومقاتلين إلى جماعات راديكالية في سوريا في إطار استراتيجية للإطاحة بالأسد.
وفي حادث محرج آخر في وقت سابق هذا الشهر طلب أردوغان اعتذاراً من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قوله إن تركيا ودولا أخرى ساندت المتطرفين وأشعلت الصراع الطائفي. واعتذر بايدن عن تصريحاته.
وقال عثمان بهادير دينجر من المؤسسة الدولية للبحوث الاستراتيجية ومقرها أنقرة إن “تركيا لديها مشكلة تصورات.. والتصورات يمكن أن تكون أهم من الحقيقة”.
وعلى الساحة الداخلية لقي موقف الحكومة التركية صدى جيداً بصورة عامة لدى الجماهير الذين لا توجد لديهم رغبة تذكر في مغامرات السياسة الخارجية وسط ركود اقتصادي وفي ظل ضغوط استضافة نصف اللاجئين السوريين إجمالاً.
لكن الاحتجاجات المتكررة من الأكراد الغاضبين من عدم مساعدة أنقرة لعشيرتهم في كوباني تشير إلى مخاطر داخلية من امتداد آثار الأحداث الإقليمية. وتخاطر أيضاً بعرقلة عملية سلام هشة مع حزب العمال الكردستاني المحظور تهدف لإنهاء تمرد بدأ قبل 30 عاماً.
وعلى الصعيد خارجي تبدو الصورة مختلفة
وفي الأحاديث الخاصة يعبر دبلوماسيون من دول صديقة عن الإحباط مدركين أن موقع تركيا وقوتها العسكرية يجعلانها حليفاً إقليمياً حيوياً وإن كان موضع ارتياب بصورة متزايدة.
وقال اتيلا يسيلادا وهو اقتصادي في مؤسسة جلوبال سورس بارتنرز ومقرها نيويورك “لكي أكون صريحاً.. قد يكون الساسة الأتراك خبراء بارعين في الإدارة السياسية محليا لكنهم ينتمون إلى دوري الناشئين حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية في حين يهدد تنظيم الدولة اللا-إسلامية بزعزعة استقرار المنطقة”.
افتقاد الثقة
ورحب المسؤولون في واشنطن بقرار السماح بعبور مقاتلي البشمركة العراقية إلى سوريا فيما قد يكون أول علامة على أن تركيا تخفف معارضتها للتركيز الاستراتيجية لأمريكا على الدولة اللا-إسلامية.
لكن التأخر شهرا في التحرك أضر بتركيا دوليا وعمق الإحساس بأن رغبتها في أن تصبح لاعبا إقليميا كبيرا لا تدعمها قدرتها حسبما يقول دبلوماسي أوروبي في أنقرة.
وقال الدبلوماسي إن رفض تركيا التراجع عن مطالبتها بابعاد الأسد وإقامة مناطق آمنة أدى إلى إرباك الشركاء وإثارة غضبهم رغم أنهم يتفقون مع هذه الأفكار من حيث المبدأ لكن لا يعتبرونها أولويات.
ولم يخش الزعماء الأتراك مطلقاً من التشبث بمواقفهم في مواجهة الرأي العام العالمي. وينطلق أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو من رؤية لشرق أوسط يوحده النموذج التركي للإسلام السياسي. ويعتقد الاثنان أن سياستهما الخارجية تدعمها التزامات أخلاقية وان موقفهما صحيح بحكم التاريخ.
لكن كثيراً من الخبراء يعتقدون أنه ما لم تنسجم أنقرة بدرجة أكبر مع الرأي العام العالمي فستصبح أكثر عزلة مما هي عليه وستبقى أهدافها بعيدة المنال.رويترز
تقرير: صبر واشنطن بدأ ينفد تجاه أنقرة
11
المقالة السابقة