عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – قرأت الروشيتة –الوصفة- التي قدمها الوزير يوسف بن علوي للحال العمانية،واعتقد انها تصيب تشخيصا حقيقيا وتقدم لتصور اراد الوزير به ان يكافح الاشاعة ذات المنبت الداخلي وتلك التي تحملها رياح الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي..
ظلت بعض القضايا في سلطنة عمان مسكوتا عنها او مقفوزا فوقها، وظل كثير من المسؤولين لا يتصدون لها او يهربون منها للامام دون سبب مقنع ، ولكن الطبيعة التقليدية العمانية وجمود وسائل الاعلام في الماضي عن المبادرات وايضا حالة القلق التي يمكن ان تسببها الاسئلة حين تبقى معلقة بلا اجابات، كل ذلك حرض الوزير بن علوي ان يقول فهو المرشح للقول في هذا الجانب سيما وان الخبرات الطويلة للوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لأكثر من ثلاثة عقود متتالية لا بد ان تدفعه للاجابات الموصد عليها خاصة وانه يعرف الكثير منها وقد جرى الحديث فيه على مستويات اخرى ومختلفة..
تعطش العمانيين للمعلومات ازداد وقد أصبح ضروريا ان تروي المعلومة خاصة الوطنية والمتعلقة بالحال العماني واستقراره ،عطش العمانيين حتى لا تجد الاشاعة في بلادهم مأوى اذ تعشعش الاشاعات حين لا تتوفر المعلومات او حين تجف او تصبح مبتورة.
لم يعد الحال في الاقليم والمنطقة وخاصة بعد موجة الربيع العربي وصعود تأثير الشباب فيه قابلا للاستمرار خاصة وان الوزير بن علوي كان من اكثر المتحمسين للاستماع الى الشباب وافكارهم ومن المطالبين باشراكهم وقد حدثني عن ذلك بداية الربيع العربي وحتى حين كانت عمان تعبره وتتكيف معه وذلك في مقابلة تلفزيونية في برنامج “حوار مع كبار”.
الرهان على الشباب لأنهم الأكثر تأثرا وقدرة على التعبير عن تأثرهم بالحركة وحتى لا تخرج الحركة عن المألوف وتبقى تندرج في الاطار الوطني العام وباتجاه الاهداف الوطنية فأن ذلك يحتاج من جانب المسؤولين الى مصداقية والى نقد ذاتي والى قبول الواقع والرغبة في تطويره والأخذ بمبدأ الشراكة فيه وهذا ما فعله الوزير بن علوي وهو يتحدث عن الحال العماني لصحيفة “عُمان” في حضور صحفي فاعل.
الوزير وضع النقاط على الحروف وقدم الابقار المقدسة للعين المجردة ولم يقبل ان يبقى هناك في القضايا العامة مواقع “تابو” او مناطق محظورة الدخول او مغلقة..
تحدث عن السلطان قابوس بن سعيد وأمل العمانيين فيه وبه وعن مرحلة ما بعد السلطان وعن ولاية العهد وقدم تبريرا لعدم أخذ العمانيين فيها في الماضي لأسباب موضوعية وتجارب لم تنجح وايضا لقضايا تتعلق بالمذهب والنظام الاساسي للدولة المتأثرة به فالوراثة الجاهزة لا تسمح بالشورى او الانتخاب حين يريد العمانيون التمسك بالشجرة البوسعيدية الضاربة الجذور والتي استظل العمانيون بها لعدة قرون فالاختيار العماني يأتي ضمن دائرة تتيح الاختيار الافضل من داخل العائلة ولا تملي شخصا بعينه، وتبقى وصية السلطان ورأيه متأخرة لأيام ثلاثة عن خيار العمانيين الاول لسلطانهم حتى لا يضلوا او يختلفوا فيجدوا ان اختلفوا في الايام الاولى ما يتمسكون به ويمنع عنهم الفتنة والتجاذب واللغط ..
تلك الفكرة في اختيار السلطان الذي فصل ما بين الامامة وموقع السلطان حتى لا يحل ذلك في شخص واحد فالبعد المدني للسطنة يخدمه البعد الديني او المذهبي وكلاهما يخدم الاخر ولعل هذا الفصل الحميد يتفهم لغة العصر ويحرص على الاصالة ايضا .. فيما مضى كانت الامامة والسلطنة يختصرها ” السيد ” في شخصه الى ان جاء عصر التنوير وقبول الاخر والرغبة في اتخاذ القرار المدني في بناء دولة الشورى والمؤسسات ..
كان رد الوزير بن علوي على الاسئلة موضوعيا وقد تعرفت على دلالة هذا الراي الذي يقدم رؤية تبتعد عن التوريث المباشر وفكرته التلقائية التي تقع لدى الاسر الحاكمة العربية وخاصة الخليجية ..
كما تصدى الوزير بن علوي لمسالة المعلومة وتوفرها وضرورتها وان تصل للمواطن المستهلك طازجة غير مقتولة في التضيع وان تحظى بالمصداقية .. وهذه المعلومة وتدفقها لم يكن ممكنا في الواقع الماضي العماني اليابس حيث كانت توصد عليها الابواب ولا تقوى المؤسسات الرسمية على تقديمها او ربما لا تتمكن او تستطيع .. وكان يجب اعادة النظر في عملية انتاج المعلومات وتوفير الوسائل اللوجستية لها وضمان تدفقها بسلاسة وامان واحتساب وطني قبل ان تقدم هكذا استجابة لضغوط .. ومن اجل ادامة ذلك وجعله مؤسسيا فان الوزير بن علوي يعتقد ان اخر الاشياء في هذا السياق هي وجود الناطق الرسمي للدولة .. لان وجوده بداية لا قيمة له .. فبماذا ينطق ان لم تكن المعلومة متوفرة ومرخصة وقابلة للتداول . فالاصل اعادة بناء الاعتقاد السليم المستند الى تشريع الحصول على المعلومات بدون اعاقة اولا . اي توفير البضاعة قبل الشروع في بيعها لان فكرة بيع المعلومات غير المتوفرة لا تقيم سوقا للمعلومات ولا يستطيع المواطن العماني ان يتسوق حاجاته منها وان يعتريه الرضى لتوفرها ..وقد يدفعه العوز لها لشراء الاشاعات.
ومسالة المعلومة للناطق بها حين تتعلق بالدولة ويسمى الناطق رسميا .. كل ذلك يحتاج الى وقت والى تشريع والى تغيير في المفاهيم ولان الظرف ضاغط فان العبقرية في القيادة تتجلى في انجاز الخطوات بسرعة وان يجب العهد الحديث ما قبله ويبشر بالمستقبل المختلف ..
اذن لا ابقار مقدسة ولا تابوهات عمانية حين كسر الجليد وبدا العمانيون المسؤولون يملأون الفراغ حتى لا يملأه غيرهم بغير مصلحتهم ولذا جاء الحديث عن ولاية العهد وعن انتقال نظام الحكم . فالنظام العماني اذن ليس عقيما وهو قابل للتخصيب والولادة وحتى اختيار اسلس الطرق ليخرج للناس شاهدا ومبشرا ونذيرا كما كان على الدوام وكما استقر في المادة السادسة من النظام الاساسي للدولة ..
الوزير بن علوي يعكس رؤية السلطان ويروج لها ويقدمها بشكل واقعي وواضح . وهي الرؤية التي خدمت منذ بداية النهضة عام 1970 والى اليوم واقع المنطقة والاقليم والواقع العربي الذي امده بمبادرات ونصائح ورؤية وعمل على حل المشاكل وتفكيك الازمات وحتى حلها وهناك نماذج عدة لا يتسع المجال لسردها تجعل الواقعية عنوانا للعمل السياسي والوطني العماني ..
الرؤية السلطانية للسلطان قابوس بن سعيد ومنذ بداية مسؤوليته كانت تضع حجر الاساس ليتكامل البناء العماني في هذا المشروع الذي تم والذي يستطيع السلطان ان يورثه لمن سيختاره العمانيون من اسرته فقد كان تصميم البناء سابقا على اشادته حين كانت منطلقات الرؤية السلطانية تحرير العمانيين من التخلف والجهل والمرض وبناء التعليم عبر صروحه المدرسية والجامعية وبناء الجسم الطبي وتمكين العمانيين من التنافس وتاهيلهم وتدريبهم وفتح البلاد للاستثمارات التي تخدم الاقتصاد الوطني ..
كانت الرؤية قد بدات بذرة تعهدها السلطان والنفر الوطني الذي استعان به في مسيرته حتى غدت البذرة شجرة باسقة وارفة الظل غنية الاثمار .. وقد تمكنت السياسات العمانية المبصرة والبصيرة من حماية هذه الشجرة من سموم الريح ومن الاقتلاع .. الان يفهم المراقبون كيف يقراون خريطة البناء العمانية ويتتبعون ” ماكيت ” المخطط ويدركون لماذا كان السلطان يسرع هنا ويبطىء هناك ويقبل ذلك ويرفض ذلك ولماذا خرجت هندسة البناء مميزة وجميلة وذات طابع وطني وتاريخي عماني يحافظ على الجذور ويضمن الفروع ..
كانت رؤية السلطان حداثية ونماذجها ملموسة من التعليم حتى الموسيقى ومن الحفاظ على الافلاج حتى ارسال البعثات للخارج .. ومن ركوب الصحراء للالتقاء بالمواطنين والحديث بلغتهم الى بناء مجالس الشورى والدولة ..
وحين لا يجد المراقب لكثير من السياسات العربية ركائز تحميها وتعرف بها وتمنع عنها الذوبان والاجتياح كما لاحظنا في العديد من البلدان العربية التي تفطر على سياسة وتتغدى على اخرى وتتعشى على ثالثة .. وجدنا السياسة العمانية تقوم على ركائز تجعلها سهلة الفهم واضحة المعالم بعيدة عن الانتهازية تصب في المصالح الوطنية وحتى الاقليمية الدولية مما اكسب النظام السياسي العماني احتراما وتقديرا دوليا وجعله مرجعية لكثير من قضايا المنطقة الملتهبة ..
لم تاخذ العمانيون العزة بالاثم وظلوا يقيمون التوازن مع كل الاطراف الاقليمية منطلقين من فكرة تصفير الخلافات حتى وان اقتضى ذلك التضحيات ممكنة الدفع وهذا مالاحظناه بداية في ترسيم الحدود حتى لا تبقى تلك الحدود حبلى بمضاعفات الالتهاب ولاحظنا ذلك ايضا في فائض العمل العماني لصالح الاستقرار والمبادرات الانسانية ..
واطلاق سراح معتقلين ومخطوفين كانوا ضحايا لسياسات وقرارات متغيرة ..
عمان المستقبل يمكن رؤيتها في عيون قادتها الان الذي لم يقولوا نحن وبعدنا الطوفان ولم يقولوا : ” اذا مت ظمئانا فلا نزل القطر “.. بل ارادوا القطر ان ينزل على جميع الشركاء والاقليم .. وارادوا للفتن الناشبة في المنطقة ان تكون بردا وسلاما على الشعوب العربية التي بدات تحترق بنيران الطائفية والمذهبية والدكتاتورية والتوظيف الرخيص للمال والارواح في سبيل اهداف شخصية بعد ان ساهمت انظمة المنطقة وارتجالات قادتها فيما نشب فيها من حرائق استجلبت التدخل الخارجي استجلاب الدم لسمك القرش واستجلاب الجيفة للضباع ..
الركائز في السياسة العمانية واضحة في قضايا مجلس التعاون الخليجي حيث برزت الرؤية العمانية دون خشية وحيث الموقف من القضية الفلسطينية الذي ” ميعه” العرب وراحوا يديرون الازمة دون العمل على حلها وحولوها من قضية حقوق وطنية الى صراع مفتوح اداروا له الظهر ..
عمان بكل هذا . وبكل ما دعى اليه السلطان العمانيين ان يتمسكوا به حتى لا يضلوا .. ذاهبة للمستقبل ولن تعود لاي انتكاسة ولن يكون فيها فراغ لان الانجاز سيسد الفراغ ولان وعي العمانيين سيبصر اين كانوا واين اصبحوا في وطن اكثر حرية وان الاساليب التي مورست في بلدان عربية والتي كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ..
حين بدأت احتجاجات سلمية لم تلبث ان تحولت الى حرائق..
عُمان كما يرى الوزير بن علوي لن تعود للاحتجاجات والفراغ سيملأه العمانيون فالسلطان شخص وفكرة والشخص يزول “كلنا ميتون” حتى الانبياء ولكن الافكار تبقى والتجربة برسم الشراء طالما نفعت الناس واما الزبد فيذهب جفاء.
عيون العمانيون من خلال رؤية السلطان تركز على الدولة العصرية بكل مكوناتها والعمل على استكمالها حتى بعد خطبة الوداع السلطانية وحتى بعد استكمال الخطط القائمة فهناك من يستكمل العمل من ابناء عمان باتجاه الدولة العصرية التي تميزها في عمان صورة كانت سابقة عن عهد ما قبل النهضة..
الوزير بن علوي قلب كثير من الاغطية ولكن ليس على طريقة لعب الورقات الثلاث الذي خبرناه حين يجري زنق الانظمة ووضعها في الزاوية فتعترف متأخرة “ولات حين مناص” ولذا تحدث في قضايا عديدة معلقة بعضها حقيقي وبعضها رد فيه على اشاعات اعتقدها البعض مسلمات مثل قصة المليار والمليارات الخليجية المقدمة في الظلام وعلى الهواء ولم تلمسها الايادي العمانية او تنساب في المشاريع فالوعود العربية كثيرة وهي مثل الزبدة التي تذوب من اول درجات الحرارة،ومثل وعود شهرزاد لشهريار حين تشرق الشمس..
هناك اشاعات رد عليها الوزير وهناك منها من له أصل ” فلا دخان بلا نار ” ولكن هناك من نفخ في نار الاشاعة وهناك من اراد اطفاء الحقائق وحتى النور ليتسنى له ان يتحرك في الظلام او يصطاد في الماء العكر.
حلق الوزير بن علوي في فضاءات عربية واقليمية وعالمية ورد على ما قيل او حتى ما قد يقال لاحقا باسلوب الخبير المختصر والمفيد المقر بالحقائق لا الهارب منها..وهو يستجيب لكل ذلك ليس تحت الضغط وانما رغبة في ان تروي المعلومة عطش العمانيين للحقائق وتمكينهم من محاصرتها.. فالعهود الماضية من التعتيم انتهت والحكيم من اعتبر بغيره دون ان يقع بنفسه.. فالحال العربي الان “انج سعد فقد هلك سعيد”والصامدون الصامدون في وجه الانواء هم من زرعوا اوطانهم بالانجازات والمصداقية..
حديث الوزير يحتاج الى تكملة والى المزيد في زمن عربي سبقت فيه الاحداث قول الحقائق ولذا بقيت الحقائق في صناديق سوداء ضائعة،ولذا نعجز عن فهم كيف اختطف عالمنا العربي في كثير من بلدانه . فهذا العالم كان يطير بلا صناديق من الحقائق تنطق من قبل ” ان تقع الفأس في الرأس ” .