عروبة الإخباري – يعيش المسلمون، كغيرهم من أتباع الديانات، ضمن منظومة من التعاليم التي تنهاهم عن فعل أمور وتطالبهم في الوقت نفسه بالتمسك بأخرى وأدائها في مواقيتها. وبسبب الطبيعة البشرية الرافضة للقيد والتعليمات، فإنه يندر وجود من يتمسك بحذافير ما هو مطلوب منه دينيا، ولكن الغالبية لا تجاهر بذلك، بل تخالف وهي صامتة، لأنها لا تود أن تظهر وكأنها خارجة عن الإجماع. هذا التخفي أو التقية نتج عنه خلق اضطراب في نفسية غالبية «المؤمنين»، فحتى الفئات الرافضة للمنظومة الدينية ككل نجدها غالبا لا تجاهر بما تعتقد، خوفا من الأذى أو الإبعاد، وهؤلاء أقلية ولا يشكلون خطرا على غيرهم! وهناك فئة أخرى عكسها، حيث نجدها متمسكة بتطبيق المعتقد بدقة، وحسب فهمها الخاص للدين وتأويلها للنص، وهؤلاء، على قلتهم، يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى غيرهم بسبب استعدادهم للجوء الى العنف، إن تطلب الأمر ذلك، مع معارضيهم! والفئة الأكبر هي التي اختارت الإمساك بالعصا من الوسط، فلا هي بمخالفة تماما ولا بمؤمنة تماما، حيث تعيش حياتها بالطريقة التي تراها مناسبة ومتفقة مع أهوائها، وتمارس في الوقت نفسه ما تراه مريحا أو مطلوبا ظاهريا من «عبادات» من دون التزام جدي، ويغلب على اصحاب هذه الفئة التناقض في التصرف، والدفاع الأجوف عن اساليب حياتهم وطريقة فهمهم للدين. وتكمن خطورتهم في نسبتهم الكبيرة التي تجعلهم الممثلين الحقيقيين للمعتقد. ولكن هذا يجعلهم أيضا عنوانا للفوضى والضياع في أعين الغير، نتيجة التفاوت الكبير في تفسير الأوامر والنواهي والممارسة الدينية بين افراد هذه الفئة، بحيث يصعب فهمهم بسهولة. فما يراه البعض من أسس وقواعد دين لا يجوز التساهل فيها، تعتبرها فئة أخرى غير ذات أهمية وهامشية، والسبب يعود إما لضعف ثقافة ومعرفة المجتمع ككل، أو لطريقة تربيتهم وبيئتهم الاجتماعية. فهناك مثلا تفاوت صارخ في ما يتعلق بتطبيق الزكاة أو الحدود، وحتى الصوم والصلاة والجهاد مختلف عليها، دعك عن قضايا هامشية كثيرة أخرى، التي اصبحت مؤخرا جوهرية كالحجاب والنقاب وعمل المرأة، وبالتالي نتج عن كل هذا التفاوت الديني، معرفة وتطبيقا، أن اصبحنا في مجملنا شعوبا تعيش في تناقضات يومية مع نفسها ومع الآخرين، وتعيش حياة متعارضة مع الواقع، وعاجزة عن مسايرة العصر، ومتقبلة في الوقت نفسه، ولو جزئيا لأسلوب وتفكير الاسلاف الذين عاشوا قبلهم بأكثر من الف عام!
ولو أخذنا موقف هذه الأغلبية من تنظيم داعش مثلا، لوجدنا، كما ذكر لنا رئيس وزراء اردني سابق، من أن بداخلنا، كل مسلم شيئا من داعش! فالكل يعارض «جرائم» التنظيم، ولكنه يتمنى في الوقت نفسه فوزه. ولو أخذنا الموقف من المرأة، وكل ما يتعلق بحريتها ولباسها وحقها في العمل، لوجدنا تفاوتا كبيرا في آراء حتى المتقاربين في العمر والخلفية التعليمية، وهكذا الأمر مع قضايا أخرى، والسبب يعود أساسا لعدم الاتفاق العام على الموقف الديني الصحيح من هذه القضية أو تلك المسألة، علما بأن الاتفاق عليها ليس في مصلحة رجال الدين الذين يفيدهم ويقوي من مكانتهم تشتت المسلمين واختلافهم.