المعركة التي تفتح علينا اليوم، نراها تتشابه ساحاتها وخطوط القتال فوقها، والمتقاتلون فيها، واصطفافاتهم، وأدوات قتالهم، وضحاياهم. لكننا لا نتبين من أهدافهم من ذلك القتال، لكأنما مجرد استمراره، هو الهدف. نرى ذلك واضحا فيما يجري في سورية والعراق واليمن والصومال والسودان وليبيا والجزائر. ويطرح السؤال نفسه: لماذا، يا ترى؟ وكيف؟
هذا السؤال تصدى له عدد كبير من المعلقين من بينهم، على وجه الخصوص، هشام ملحم، مدير العربية؛ وطلال السلمان، رئيس تحرير السفير، على سبيل المثال لا الحصر. وكان الرأي السائد أن ظهور ما يسمى بـ “داعش” ينذر بتفكك دول عربية مهمة إلى دويلات دينية ستجد نفسها بعد قيامها داخلة في صراعات بينها، ما سيضطرها، كما هو مخطط له، للدخول، لغايات الحفاظ على نفسها في تحالفات مع أعداء الأمة. وهو ما يعني انتهاء الحضارة بل الوجود السياسي العربي في المنطقة كلها.
لن أقف طويلا مع هذه الأفكار. فالمكان المتاح لا يكفي لذلك. يمكن للقارئ العزيز أن يعود لهؤلاء وأفكارهم، بنفسه. فذلك متاح ويبعد عنا مسافة كبسة زر مع آليات البحث المعروفة. لكني سأقرأ الآن رأيي الخاص، فيما يحدث.
وأبدأ بالسؤال: من هم هؤلاء الغزاة الداخلون في القتال على كل الجبهات؟ أستطيع القول أن أصحاب الإسلام السياسي، على اختلاف ولاءاتهم ومنطلقاتهم الفكرية والطائفية، والسياسية الحاقدة المؤتمرين دائما بأوامر خارجية معادية، هم هؤلاء. ونذكر من فصائلهم وجيوشهم ومليشياتهم، هنا، منظمات داعش، في سورية والعراق، وأخواتها، من جبهة النصرة، والقاعدة- خراسان- في سورية، وأنصار الشريعة في ليبيا، وشباب المحاكم في الصومال والحوثيين في اليمن، والإخوان المسلمين في مصر والسودان، وأكثر من أحد عشر فصيلا شيعيا في العراق بالإضافة لحزب الله في لبنان، والحرس الثوري الإيراني، ومتطوعين ومليشيات شيعية عراقية مثل عصائب الحق ولواء الفضل بن العباس، وكتائب سيد الشهداء الذين يقاتلون إلى جانب النظام في سورية.
ومن هي القوى الإقليمية التي تقف وراء ما يجري في سورية والعراق، بشكل خاص، وفي اليمن، أيضا، كما تشير حقائق الصراع المنتشرة في فضائنا الإلكتروني؟ وتعمل على إضعاف وتفكيك الدول العربية المنكوبة بهم؟
إن قراءة أسماء الفصائل الداخلة في هذه الحروب، وهي، جميعها، حروب بالنيابة، تشير بوضوح إلى أن إيران هي صاحبة المشروع، فهي التي تخصص الساحات للقتال وتزودها بكل البنى التحتية والفوقية اللازمة لاستمراره، لا لشيء إلا لتجذير قوى التدمير فيها، زرعتها من قبل بروية وثقة، في فراغ دولي سياسي صنعه تعادل دولي في المنطقة، علها تستطيع تحقيق كل أهدافها الوطنية الحالية والقومية التاريخية.
لقد تجنبت، بحنكتها، إثارة الأوضاع في الخليج العربي، على الرغم من أن المكون الشيعي في البحرين يعادل 50 % من سكانها، فاكتفى الشيعة وأحزابهم، فيها، بالاعتصامات والمظاهرت السلمية. وقد أخرست إيران الرسمية أصوات المتطرفين، بينهم، المطالبون، دائما، بانضمام البحرين لدولتهم. تعلم إيران أن التعرض لأية دولة خليجية محكوم بالرد الأمريكي عليه على مبدأ كارتر المعروف. لقد دمرت دولة العراق تدميرا كاملا حين دخلت الكويت، سنة 1990، كما هو معروف. كما أن إيران لا تستطيع التدخل في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية ليس لأن لمنظمة الدول الخليجية قوة عسكرية رادعة بل ايضا بسبب الموقف المعلن للدول الغربية من هكذا مغامرة.
أما دولتا العراق وسورية، فإقليم ما زال مفتوحا للصراع الدولي. وإيران تستطيع التدخل المأمون فيهما لمصلحة بناء نفوذها لأسباب منها أنها حليف لروسيا التي تستطيع الالتفاف لتجنب غضب أمريكا وتحييده كما حصل عند اشتداد الأمر سنة 2012، فتدخلت لإعطاء الولايات المتحدة مخدر الأسلحة الكيميائية السورية.
وها هي اليوم تصمت على ضرب داعش التي جعلها الرئيس الأمريكي ضربة مشروطة بألا تقوي نظام الأسد الذي يحاول، من جانبه، اللعب ويعلن أنه لا يعارض ضرب الإرهاب بل يريد أن يكون جزءا منه، غير مبال أن الائتلاف يعمل على تقوية المعارضة السورية المعتدلة بالسلاح والتدريب والإصرار على وثيقة جنيف كطريقة للحل السلمي لأزمة سورية.
يتجه المجتمع الدولي، العارف لكل هذه الحقائق إلى الإبقاء على الدولة العراقية متماسكة أرضا وشعبا، وخارج قبضة إيران. إيران تعرف ذلك؛ وتعرفه روسيا، أيضا. فالمرحلة الحالية التي يمكن لنا تسميتها بمرحلة داعش، تشبه نبتة شيطانية لظروف من الصراع الدولي والإقليمي على منطقة ذات جذور تاريخية عربية يصعب اقتلاعها، أو تغيير وجهها.
التطورات السياسية في العراق في الأيام الأخيرة تشهد بذلك. ولسوف تخرج العراق وسورية أيضا نحو طبيعتهما ودورهما التاريخي. لعلنا نستذكر غزوات هولاكو والبويهيين اللذين حاولا ذلك من قبل ففشلا، ليعود الغزاة يختفون في جحور التاريخ
فالح الطويل/داعش عنوان مرحلة
14
المقالة السابقة