الذهاب إلى منهجية تسطيح الخلاف الدائر داخل أطر الجماعة، ومحاولة اضفاء صفة الشخصنة عليه، وأنه لا يعدو تعبيراً عن فشل بعض القيادات بالوصول إلى المراكز القيادية، هو ضرب من ضروب التعمية، وامعان في التجاهل لحقيقة المشكلة وجوهرها، مما سيؤدي حتماً إلى استفحالها، وعدم القدرة على حلّها، وسوف يؤدي إلى مزيد من التأزيم والتعقيد في ظل التأكيدات والإشارات إلى موضوع الأقلية والأكثرية، والصراع بين بعض الرموز، بالإضافة إلى ما يحمل هذا المنهج من اساءة متعمدة لمختلف الأطراف.
هذا المنهج في تناول الخلاف يجعل الأمر بحاجة إلى حوار أكثر صراحة وأشد وضوحاً، من أجل الاقتراب بدرجة أكبر من لمس حقيقة الخلاف وجوهره، ومن أجل تمكين الطرفين من تشخيص المرض للوصول إلى الحل والعلاج السليم، خاصة وقد تعودنا على اتقان بعض الأطراف أسلوب تضليل القواعد، وفن اخفاء الحقائق عن الأغلبية الساحقة الخاضعة لمنطق السمع والطاعة غير المبصرة، التي طال عليها الأمد، وتعمق الجهل لديها إلى درجة لم تعد مقبولة.
الخلاف الفكري هو أحد الوجوه، وليس العامل الوحيد، لكن موضوع النظرة إلى جاهلية المجتمع والحكم ليس أمراً هامشياً ولا رأياً شاذاً، لأنه يشكل أرضية للتعامل السياسي بشكل شامل، حيث أن ذلك كان موضوع سجال كبير في مسألة الخضوع للدستور والقانون، وللتذكير فقط عندما تم توقيع ورقة تظهر التزام الجماعة بالدستور والقانون في زمن حكومة معروف البخيت، كانت هذه الورقة أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بالمراقب العام السابق (سالم الفلاحات)، وسميت ورقة (11/7) التي طاف بها المخالفون على الشُعب، وجزء كبير منهم ممن يدعي الاعتدال، واعتبرها بعضهم كارثة أشد من هزيمة عام (67)، وهي تهدد حسب رأيهم مستقبل الجماعة وفكرها، وتشكل خللاً عقدياً ضخماً يطيح بالإيمان، ولذلك هناك فرق كبير بين التعامل مع هذه المسألة بالتورية والتقيّة وفقه الإكراه، وبين الوضوح الحاسم الذي لا لبس فيه ولا غموض.
الموضوع الثاني الذي لا يجوز إغفاله هو الفشل الذريع في بلورة المشروع الوطني، وبقي التعامل معه على هامش برامج الجماعة وأنشطتها، وعجزت الجماعة عبر تاريخها الحديث عن الانخراط في هذا العمل الأساسي، ولم تستطع أن تقدم برنامجاً عملياً حقيقياً، سوى بعض حالات الاستثمار والاستغلال الحزبي الضيق في بعض الظروف الاستثنائية، واللمس الخجول للقضايا الوطنية، وأسهمت الجماعة في منع تشكل الحالة الوطنية الأردنية وتم مقاومة الصوت الوطني داخل صفوفها ومحاصرته بالاتهام بالإقليمية والعصبية، وأحياناً بالاتهام بعدم الحماس «لحماس» والقضية الفلسطينية، ولذلك تنجح الجماعة بالحشد لمسألة تتعلق بالقضية الفلسطينية ولكنها تفشل فشلاً ذريعاً بالحشد على أي قضية وطنية، وهذا يأتي في سياق الحشد العاطفي، البعيد عن البرامج العملية، ومن أجل التغطية على القصور الحقيقي، المغلف باللعب على الوتر الإقليمي بكل وضوح لتحصيل الأغلبية التي يتم الحديث عنها بشكل متكرر يحوي قدراً كبيراً من التدليس الممنهج، الذي تذهب الأجيال الجديدة ضحية من أجله، على مذبح الجهل المركب والمتراكم عبر الزمن.
الموضوع الثالث هو الجانب الإداري الداخلي الذي لا يقل أهمية عن المواضيع السابقة حيث يتم الاعتماد على الاصطفاف المنظم الداخلي الذي وصل إلى درجة التنظيم السرّي الحقيقي، الذي يمارس التعبئة الداخلية والاتصال والحشد باستخدام كل الأسلحة والأدوات الممكنة منها :
– استخدام المال في دفع الاشتراكات وشراء الذمم وتحصيل الأغلبية، وقد جرى ذلك في أغلب الشعب، وتم التحقيق في إحدى الشعب وثبت ذلك بالاعتراف المكتوب، وهناك أموال تدفع لأبواب أخرى مثل الأقساط الجامعية ومساعدات وقروض، وهناك نوع آخر من استخدام المال عن طريق إنشاء الشركات والمصالح المالية المتنوعة والمتعددة التي تضمن ارتباط بعضهم بمصالح مالية إلى الأبد، وانشاء شبكات اقتصادية متحيزة ومختارة بعناية.
– يتم الاعتماد على نشر الاشاعات واطلاق سيل من الاتهامات، التي مازالت تجري على السنة كبارهم وصغارهم بلا أدنى تحرج تجاه الطرف المخالف، ويتم ممارسة الاغتيال الممنهج والتصفية المعنوية، وفي هذا السياق تم انشاء مواقع اخبارية وصفحات متخصصة بالاغتيال والتشويه، والذين يديرون هذه المواقع وهذه الصفحات معروفون تماماً.
– هناك جهد منظم لابراز بعض الشخصيات القيادية وتصعيدها عبر خطة طويلة الأمد، وأنا مطلع على بعض هذه الجهود، وأحياناً يتم التركيز على بعض الانتماءات الجهوية بشكل مقصود ومبرمج من اجل اجادة استخدام الغطاء العشائري على طريقة التوظيف الموّجه، والذين يتحدثون بطريقة التهوين لهم اسهامات معروفة في التخطيط لهذه المسألة تحديداً، وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم .
– الخلل الاداري الممنهج في طريقة الفرز القيادي على أساس شللي ومصلحي وجهوي يعد من أكبر الأخطاء القاتلة التي تؤدي إلى انهيار دول وامبراطوريات كبرى فضلاً عن الجماعات، ولذلك لا يجوز التقليل من هذه المسألة والتعمية عليها، تحت باب التوصيف المتقزم «بالحرد» على عدم الفوز بالمنصب، بالإضافة إلى تعمد الاستيلاء على القضاء داخل الجماعة وإفساده، واستخدامه أداة سياسية في تصفية الخلافات الداخلية بكل وضوح.
لقد كتبت كل ذلك وزيادة بطريقة تفصيلية للقيادة، وأوضحت لهم الحل قبل ثلاث سنوات بشهادة العشرات من قيادات الجماعة وحكمائها، ولكن التجاهل هو جزء من المرض الذي تفاقم واستفحل، بحيث أصبح لزاماً مواجهته والذي لا بد من معالجته رغم أنف إرادة المريض، والحل ليس بمجيء شخص وذهاب شخص، ولا بتوزيع المقاعد عبر المحاصصة، ولكن الحل بالمراجعة المفضية إلى إعادة صياغة جديدة لكل المواضيع السابقة وتوحيد الصف والرؤية والرسالة والفكرة والبرنامج وإصلاح طريقة الفرز ومعالجة الاصطفاف الداخلي، والانخراط في المشروع الوطني واستئصال الفساد الداخلي بكل جرأة ووضوح.