للمرة الثالثة في أقل من ربع قرن، تبني الولايات المتحدة تحالفاً دولياً وشرق أوسطياً لمواجهة مشكلة مصدرها العراق، من دون ان تتجاوزه الى سورية، تخطيطاً وتنفيذاً. ففي حرب الخليج الأولى التي اخرجت جيش صدام حسين من الكويت، انضمت دمشق الى التحالف ودعمته واستفادت من نجاحه. وفي حرب الخليج الثانية أو الغزو الأميركي – الغربي للعراق في 2003، وقفت سورية المرتعبة من أن يأتي الدور عليها، تتفرج، قبل ان تنتقل الى استهداف بالوكالة لقوات الاحتلال الأميركية عبر الحدود الواسعة المشتركة. اما في الحرب الوشيكة التي سيقودها الاميركيون عن بعد ضد تنظيم «داعش»، فتسعى دمشق جاهدة للانضمام الى التحالف الجديد، او على الأقل الى قبوله التنسيق معها، بما يخرجها من المراوحة التي دخلتها حربها الاهلية.
وقد اضطرت الولايات المتحدة للعودة الى المنطقة بعد بدء تنفيذ قرارها بالانسحاب منها، لأن «داعش» هدد التوازن الدقيق الذي تركته وراءها، عندما ألغى عملياً حدوداً تحميها معاهدات دولية لم يحن أوان تعديلها بعد، ما قد يفتح الباب امام «شرعنة» محاولات مماثلة تقاومها في شرق اوروبا. غير ان المشكلة التي تواجهها واشنطن هي كيفية التوفيق بين دول التحالف الذي تبنيه، وبين «حليفتها» غير المعلنة إيران. فالدول العربية التي تمثل الإسلام المعتدل والمُشاركة في التحالف الجديد، تتهم دمشق وطهران بالوقوف وراء «داعش» وتمويله وتسليحه، فيما ايران تتهم هذه الدول نفسها برعاية هذا التنظيم بهدف مواجهة توسع النفوذ الايراني في المنطقة، وكلا الطرفين يرغب في ان تسفر الحرب على «داعش» عن نتائج لمصلحته، وخصوصاً في سورية.
لكن من المرجح ان يواصل الاميركيون السياسة نفسها التي اعتمدوها منذ بدء الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد قبل اكثر من ثلاث سنوات: دعم سياسي شفهي للمعارضة السورية وامتناع عن تقديم أي مستلزمات عسكرية تساعدها في اسقاط نظام دمشق، أي مسايرة ديبلوماسية للدول العربية التي ترى ضرورة التغيير في سورية، واسترضاء عملي لطهران المتورطة عسكرياً في الدفاع عن الأسد. فإذا اضطروا الآن الى توسيع تدخلهم العسكري الى الداخل السوري، فسيحرصون على ان لا يؤدي ذلك الى تغليب احد طرفي الصراع، بل فقط العودة الى مرحلة «ما قبل داعش»، عندما كان الصراع «مضبوطا» ومرشحاً للاستمرار سنوات طويلة، بما يسمح لهم بتركيز اهتمامهم في مناطق أخرى، قبل ان تنضج ظروف التسوية التي تشكل مصالح إسرائيل عاملاً رئيسياً فيها.
ولعل الجملة التي وردت على لسان باراك أوباما خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة التي دعا فيها «الدول السنّية» الى مشاركة أكبر في الحرب المقبلة ضد «داعش» تختصر هذه السياسة وتكشف كيف تدير واشنطن اوراقها في المنطقة. فقد أكد ان مشكلة هذه الدول «ليست ايران فحسب، بل التطرف السنّي»، رامياً الكرة في ملعبها كي تتحمل هي مسؤولية «تطهير» معسكرها، أي ان الدول العربية لا تستطيع مواجهة النفوذ الإيراني ما لم تتخلص من «داعش» أولاً. وبكلام آخر نقلُ الترتيب الذي اعتمده الاميركيون في العراق قبل سنوات عندما دفعوا السنّة الى طرد «القاعدة» من مناطقهم، الى مستوى الدول.