حراك سياسي مضطرب في المشرق العربي يسير في اتجاهات مختلفة، هذا الحراك ناتج عن الزلزال الذي أحدثته الدولة الإسلامية في العراق والشام وتمدد نفوذها على مساحات واسعة في تلك المنطقة الأمر الذي استدعى انتباه الدول الأوروبية إلى خطورة هذا التيار الجارف الذي جربت أوروبا تبعاته منذ القرن الخامس عشر. هذا التنظيم لم يترك له حاضنة شعبية في المجال الذي سيطر عليه تحميه وتؤيده بل إنه أوغل في انتزاع الكراهية والرفض من كل القوى، وليس هذا موضوعنا اليوم.
(2)
في الأسبوع الماضي وقّع على قرار وقف إطلاق النار بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي من طرف وإسرائيل من طرف آخر، والوسطاء في هذا الاتفاق السلطة الفلسطينية ومصر السيسي . أكثر من خمسين يوما عاشت غزة في حرب ضروس مع الكيان الإسرائيلي الذي راح يدمر كل شيء في غزة تحت سمع وبصر الدول العربية التي تعيش في فاقة، وقدرة فعل سياسي وعسكري واقتصادي، وأعني دول الخليج العربي والجزائر والمغرب، بعض الدول العربية نُقل عنهم القول بأنهم أعطوا إسرائيل الضوء الأخضر للتدمير وإلحاق الهزيمة الساحقة بحماس والجهاد وأنهم سيتحملون التكلفة أي كانت، ذلك قول لا أثبته ولا أنكره، لشح المعلومات من مصدر غير إسرائيل، ولكن أن حدث ذلك، فإن التاريخ هو الكاشف الذي لا يجامل، ولعنة التاريخ تظل تلاحق من أقدم على ذلك الجرم طالما بقي الإنسان حيا.
السؤال المطروح على كل لسان، ماذا كان الحال في غزة، لو أن مصر العزيزة فتحت معبر رفح دون تردد ولا مساومة من أجل الإنسان هناك ومدته بكل العون المادي والمعنوي واستخدمت نفوذها وهددت لإسرائيل بالكف عن التدمير الممنهج لقطاع غزة ووقف الحرب المجرمة على القطاع، وإلا فإنها ستعيد النظر في اتفاقية كامب ديفد وملاحقها السرية؟ ماذا لو استخدمت دول الخليج العربي سلاح النفط ضد الدول المؤيدة لإسرائيل كما فعلت في عام 1973 ؟ ماذا لو فتحت جبهة الضفة الغربية وجنوب لبنان المقاوم والممانع بالتزامن مع غزة ضد المدن الإسرائيلية؟ وفتحت الجبهة الأردنية، ودار سلاح الطيران والسلاح الصاروخي لنظام بشار الأسد نحو فلسطين بدلا من المدن السورية
الجواب إلحاق الهزيمة الشاملة بإسرائيل في أقل من 48 ساعة، وهنا يكون التفاوض له قيمته يا سيد محمود عباس.
(3)
هل انتهى المشهد في غزة، يقول المعلقون المصريون الذين يظهرون على شاشة التلفزة على مختلف مستوياتهم العلمية بأن إسرائيل انتصرت على حماس في غزة، وأن قادة حماس ” ما سمعوش كلام مصر من الأول إلا بعد تدمير غزة ورجعنا إلى نقطة الصفر، فالمعابر كما هي تفتح متى نشاء ونغلقها متى نشاء، وكذلك إسرائيل ستفعل، وهنا انتهى المشهد عندهم . إذا صح القول فإنها جريمة أخلاقية وسياسية ارتكبها النظام السياسي في مصر بالتعاون مع محمود عباس ضد قطاع غزة . أن المفاوضات التي ستجري بعد اتفاق القاهرة في 26 / 8 / 2014 سيكون مصيرها مصير اتفاق أوسلو وغدا لناظره قريب.
(4)
في 23 أغسطس الحالي عقد اجتماع في مدينة جدة شارك فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات، كان الهدف كما تقول بعض المصادر ” طرح مبادرة عربية لحل سياسي جديد للأزمة السورية، وستقود مصر هذه المبادرة، وسترعاها بمشاركة دول عربية أخرى منها الجزائر وعُمان ” المطلوب إنهاء الحرب الدائرة بين المعارضة السورية والنظام القائم في دمشق . في هذه الأثناء، وصل إلى جدة نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للتباحث مع الأمير سعود الفيصل لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، واجتمع معه الأمير للتباحث في أزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية والدولة الإسلامية ـ داعش .
والحق أنني لم أكن متحمسا لاجتماع سعود الفيصل بنائب وزير الخارجية الإيراني، وأقول: إن كل فعل في السياسة الخارجية إيرانية له هدف ومدروس ولذلك لم يذهب وزير الخارجية الإيرانية، وعلى ذلك كان بودي أن يجتمع نائب وزير الخارجية السعودي وليس غيره مع نظيره الإيراني . إيران رسالتها إلى الرياض واضحة، إيران حققت إنجازات كبيرة في الأيام الأخيرة، منها، إسقاط طائرة تجسس إسرائيلية متطورة كانت تطير على ارتفاعات شاهقة في سماء إيران . تقدمت قواتها المسلحة إلى داخل العراق للمساهمة في حرب المليشيات الشيعية ضد ثورة أهل السنة، والحوثيون أنصار إيران في المنطقة يحاصرون صنعاء وأعينهم على مكة والمدينة، النظام في دمشق حليف إيران يحقق انتصارات ضد معارضيه، إيران غيرت قياداتها في بغداد وأطيح بسليماني وحكومته هناك، وتريد أن تؤكد بأن السعوديين وحلفاءهم لا يستطيعون تمرير رئيس جمهورية للبنان دون موافقة إيران .
في مقابل هذا، ماذا حقق مجلس التعاون الخليجي وحلفاؤه في المنطقة، الحلفاء العرب أضعفوا المقاومة الفلسطينية وأثخنوا جراحها، وفي اليمن أصابع الاتهام تشير إلى أن هناك تشجيعا غير منظور للحوثي في اليمن ليس حبا فيه وإنما لإلحاق الهزيمة بحزب الإصلاح السني في اليمن . بمعنى آخر حرب ضد السنة في العراق وسورية ولبنان واليمن وحروب أخرى متفرقة ضد إرهاب الإسلام السني ولا أحد يأتي بذكر الإرهاب الإسلامي الشيعي في أي مكان .إيران تريد أن تقول أنها الأقوى في المنطقة فالغرب يغازلها وينشد رضاها وأنتم الضعفاء لا خيار لكم عنها .
(5)
لست معاديا للتعاون مع إيران، ولكن على أساس الند للند، وليس تعاون الضعفاء مع الأقوياء. في هذا الإطار ليس هناك أسباب جوهرية تجعل بعض الأنظمة العربية تعادي تركيا، الإسلام السني هناك قوته الاقتصادية مشهود له، وكثافة سكانية تزيد عن 75 مليونا وقوة عسكرية لا ينكرها عاقل مصر سكانها 90 مليون إنسان 50 % من أصول تركية والسعوديون في حاجة ماسة للتعاون مع تركيا ولا خلاف جوهري بين العرب والأتراك في العصر الراهن وخاصة تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، تركيا وقفت مع غزة ضد إسرائيل فلماذا يغضب العرب، تركيا عمود الخيمة الأوسط لحماية أهل السنة إذا ألمت بهم عاديات الزمان فالمصالحة مع تركيا ضرورة إسلامية وأمنية واقتصادية للعرب ولا يجب أن تستثنى تركيا من أي محادثات بشأن أزمات العرب المشرقية فإنها أمان لهم.
آخر القول: وحدة الصف الخليجي والمواقف قوة لا تقهر إذا خلصت النوايا.
فهل أنتم فاعلون؟ !
محمد المسفر/إيران وتركيا وأزمات المشرق العربي
13
المقالة السابقة