يقف الأردنيون ازاء ما يحدث في الجوار العربي وقفة محمَّلة بكل الأسئلة الصعبة التي تبقى معلقة في الفضاء تبحث عن جواب حاسم لها، وتشي، أثناء ذلك، بقلق وجودي لا يعرف الهدوء.
ما الذي يجري في العراق وسورية؟ ما الفرق بين ما يجري فيهما، وهما بلدان مركزيان في النظام العربي، وما يجري في غزة من تدمير وقتل وتهجير. ولو دققنا قليلا لوجدنا أن المعركة فيها كلها معركة واحدة من حيث أدواتها باستهداف المدنيين كأداة للسيطرة على الأرض والناس والقرار الرسمي، والمصير. ثم تدخل داعش المسرح لتكمل الصور وتصل ما انقطع، بالجغرافيا، بين الساحتين.
ويقول قائل: ولكن إسرائيل غير داعش. فإسرائيل عدوة وجود نعرفها؛ أما داعش، على الجانب الآخر، فمنظمة جهادية بالغت في مهماتها فأعلنت الخلافة وانتخبت خليفتها. حقا؟!!
ولكن هل يغير هذا التصنيف السريع الحقائق السياسية على الأرض؟ ألا يقوم الكيانان، كلاهما، بالحرب ذاتها على الشعب نفسه في مكانين مختلفين وباتجاه واحد ونتاجات واحدة؟
لقد قامت داعش بتدمير المعارضة السورية وتفكيكها وتسهيل القضاء عليها من قبل نظام بشار الأسد، وما زال الطرفان: بشار ونظامه، وداعش، يكملان المهة نفسها، كل من موقعه في الساحة الواحدة، مرة بالتدمير الكامل لمنجزات شعب، وتمزيق نسيجه، ومرة، بالقتل المباشر، لكل من تطاله أيديهم؛ وطرد من لا يتمكنون منه خارج البلاد حتى لم تعد سورية سورية، بل نراها تتفكك أمامنا كدولة وشعب.
ذلك ما فعله “المتحاربان:” جيش بشار، وداعش، اللذان هما، كما نرى على الأرض، ليسا متحاربين، بل “محاربان” في المعركة نفسها وراء خط واحد فيها، وضد عدو واحد هو عرب المنطقة.
ثم ماذا فعلت داعش في العراق؟ لقد سهلت على نوري المالكي، كرئيس وزراء، ثم كرئيس حكومة تسيير أعمال، نفث كل أحقاده المكبوتة، باستعمال حتى البراميل المتفجرة، ضد التجمعات السكانية العراقية، تماما كما فعل الأسد في سورية.
وقد أثارت داعش بجرائمها حقد العالم على دين هو من داعش ومن كل الإرهابيين براء. هو دين المحبة والسلام والعدل الذي لا يقتل فيه أسير. فكيف عندما يجز رأس أسير أمام المصورات التلفزيونية، وخاصة أنه متطوع لتعريف العالم بما يتعرض له شعب سورية من ظلم؟ وماذا فعلت غير ذلك بالرقة، وفي كل مكان وصلت إليه؟ لقد دفعت وما زالت تدفع بكلا العراق وسورية، أرضا وسكانا، رجوعا للخلف، بهما، لفظائع حسن الصباح وبابك الخرمي وقتلتهما.
وتسمعها، بعد ذلك، إيغالا بالتمويه، والتعمية وخلط الأوراق، تهدد واشنطن بـ11/9 آخر، لكأنها تريد إقناعنا بأن معركتها مع أمريكا. ألا يجدر بنا هنا التوقف لنرى ماذا فعلت أمريكا إزاء التهديد، وتعريض أمن حلفائها للخطر؟
لقد أغرقتنا أمريكا بسفسطات كلامية لا قيمة لها، وقامت، كما لو بمحاولة لذر رماد في العيون، بعمليتين منفصلتين، إحداهما، مهاجمة بعض سيارات داعش العراقية الأصل في قرية كردية قريبا من بابل، ثم تراجعت؛ والأخرى بما قيل عن فشل قواتها الخاصة المحمولة جوا لإطلاق سراح رهائن قيل أن داعش تحتجزهم في مكان ما. وفشلت أمريكا بأقمارها وطائراتها من دون طيار (البريديترز) مدعية أنه، عندما وصلت للموقع وجدته فارغا فعادت القوة. من يصدق ذلك؟
إذا كان لنا أن نفسر الظواهر بنتائجها، فإننا سنجد أنفسنا وبسرعة أمام تفسير حاسم للأشياء، وهي أن داعش صنعة الحليفين أمريكا وإسرائيل اللتين أعدتاها ورمتا بها في المناطق المستعدة لاستقبالها لتقوم بمهمة بالقضاء على دول عربية قد تشكل، مع الزمن، خطرا على إسرائيل.
فداعش، باسم الإسلام والخلافة، لغة ولباسا، تموه نفسها لتشن حربا بالنيابة عن إسرائيل لتجهز على الدول التي من المحتمل أن تشكل تهديدا لإسرائيل أو تمنع تمددها. وهي تستخدم، في حربها هذه، كل مكونات “الفوضى الخلاقة” كما حددتها كوندوليزا رايس.
فكبرت بالطائفية، بل استخدمتها، حيثما عملت أو كانت لها مواجهات ميدانية في كلا العراق وسورية وبكل ما تثيره هذه الممارسات من خلافات في الرأي تتعقد وتتداخل، كل يوم، حولها، بما يمكنها من النفوذ داخل النسيج المجتمعي بسهولة لا توفرها لها الأسلحة.
التساؤلات التي يطرحها الأردنيون حول ما يجري في جوارنا العربي، وتثير، قلقا وجوديا عندهم، ترى الإجابات الحاسمة والمقنعة عليها مرمية على قارعة الطريق تنتظر من يلمها ليقرأها ويهتدي بنتائجها.
فهم يقفون على شرفة اردنية مستقرة آمنة مطلة على كل ما يدور حولها. لديهم، في ذلك، كل الوقت والمعلومات لتأتي أحكامهم منسجمة ومخزون تجاربهم؛ فهم يعرفون أنهم خرجوا ببلدهم سليما، دائما، من كل ما استهدفه من مؤمرات. وهذه لن تكون استثناء.
فالح الطويل/ما الذي يحدث في الجوار؟
13