بانتظار ان تبدأ حركة «حماس» واسرائيل بعد شهر، مفاوضات غير مباشرة عبر مصر حول مطالب كل منهما من الآخر لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار الذي ابرم قبل يومين، ثمة اسئلة كثيرة عن الأسباب التي دفعت الطرفين الى القبول بالمبادرة المصرية رغم رفض احدهما او كليهما محاولات مماثلة خلال اسابيع القتال السبعة.
وبعيداً من استغلال «حماس» السياسي والاعلامي للتظاهرات التي انطلقت في غزة ليل اعلان الاتفاق، فإن معظم الغزيين انما خرجوا الى الشوارع لإبداء فرحتهم بانتهاء الحرب وتوقف التهديد بالموت، ولحاجتهم الى التنفس والتنفيس، من دون ان يلمسوا «المكاسب» التي تقول الحركة الاسلامية التي تحكمهم انها حققتها، و «الانتصار» الذي تؤكد انها انجزته.
واذا كانت اسرائيل بنت عقيدتها السياسية والعسكرية على مفهوم «الاقلية المهددة بالإبادة» التي تجهد في «الدفاع» عن نفسها، وارتكبت تحت هذا العنوان أبشع المجازر في حروبها مع الدول العربية مجتمعة ومنفردة، واستغلت الى اقصى حد شعور الغرب بالذنب ازاء اليهود بعد الحرب العالمية الثانية لتحول نفسها قلعة عسكرية حصينة، وتجعل من كل اسرائيلي «عملة نادرة» لا يمكن التفريط بها، فإنه ليس مفهوماً لماذا تستسهل «حماس» التضحية بمواطني القطاع وتعتبرهم ارقاماً في سجل «انجازاتها» تسعى الى تكبيرها ما امكن.
وبكلام آخر، كيف يتحول مقتل 64 جندياً وثلاثة مدنيين اسرائيليين وجرح بضع عشرات الى «هزيمة» بينما يتحول مقتل 2200 فلسطيني وجرح عشرة آلاف وتشريد نصف مليون الى «انتصار»؟ وما هو المعيار الذي تعتمده قيادة «حماس» لتبرر في كل مرة حرباً تدمر نصف غزة؟ هل دم الفلسطيني ارخص؟ وهل يستحق فتح المعابر وتوسيع رقعة الصيد البحري كل هذه التضحيات؟ ألم يكن ممكناً الوصول الى هذه النتيجة عبر مفاوضات سلمية تنطلق من مبدأ واقعي يعترف بأن هناك عدواً لا يمكن في الوقت الحاضر لأسباب عديدة التغلب عليه بالوسائل العسكرية ولا بد من مساومته؟
وإذا كانت «حماس» تمسكت كما تقول بخيار النضال المسلح وانتقدت سلوك السلطة الوطنية الفلسطينية طريق السلام، قبل ان تبعدها عن القطاع وتستهلك في ردحها كل ما يخطر في البال من حجج وشتائم، فلتقل لنا ماذا حققت من خيارها، ولماذا قررت قبول الهدنة اذاً؟ أليس قرار القتال نهائياً ولا حياد عنه؟ فإذا لم يكن كذلك، فلماذا بدأت الحركة الحرب أصلاً؟
عندما قرر الراحل ياسر عرفات في 1982 الخروج من بيروت التي يحاصرها الجيش الاسرائيلي، انما فعل ذلك بعدما ابلغته القوى السياسية اللبنانية الداعمة للمقاومة الفلسطينية في غرب بيروت آنذاك، اقتناعها بأن التمسك بإبقاء قوات منظمة التحرير فيها سينتهي لاحقاً الى النتيجة نفسها، أي الخروج، لكن بعدما يكون تسبب في تدمير ما تبقى من العاصمة اللبنانية، وانه لا بد من تجنيب بيروت هذا المصير بعدما بدأ الطيران الاسرائيلي تنفيذ خطة جهنمية تقوم على تقسيم المدينة الى مربعات وتدميرها واحداً تلو الآخر.
والارجح ان اسرائيل اعتمدت التكتيك نفسه في حرب غزة الاخيرة هذه، وان «حماس» فهمت الرسالة بعدما بدأ طيران العدو في استهداف الابراج السكنية في المدينة التي شن عليها نحو خمسة آلاف غارة اسفرت عن تدمير اكثر من 17 ألف مبنى سكني و216 مدرسة و170 مسجداً. وهي حصيلة هائلة اذا ما قورنت بمساحة القطاع وقدرته على استيعاب الذين باتوا بلا مأوى، وحصيلة خطيرة لناحية تهديدها نفوذ الحركة التي لم تستطع ان تعد اهل غزة بأي مخرج يقيهم المزيد من المعاناة. ورغم ذلك لا تزال «حماس» المثخنة تتحدث عن «الانتصار» الموهوم، في دفاع أخرق مملّ عن سياستها الفاشلة.
حسان حيدر/لهذا وافقت «حماس»…
11