أفضل إنجازات المقاومة الفلسطينية هي أنها ضبطت ساعات الكيان الإسرائيلي على توقيت الزمن الفلسطيني، وتحويل الصواريخ الفلسطينية إلى ضابط للإيقاع في معركة الحرية، اعتبرت أول معركة فلسطينية – إسرائيلية فيها نوع من التكافؤ على الأرض الفلسطينية.
هذا الواقع دفع الون دافيدي رئيس بلدية مستوطنة سديروت الواقعة على مشارف قطاع غزة إلى القول: “لا نستطيع السماح لبعض الجماعات “الإرهابية” بأن تجعلنا نرقص على موسيقاهم”، فسكان هذه المستوطنة لجأوا إلى الملاجئ المحصنة في البيوت التي بنوها على الأرض الفلسطينية السليبة، وبعضهم غادروها إلى أماكن أخرى بعيدة، ويرفضون العودة إليها ثانية إلا بعد إقرار وقف دائم لإطلاق النار، ويتهمون رئيس وزرائهم نتنياهو بخداعهم ويتظاهرون احتجاجا على فشل حربه لوقف الصواريخ وتدمير الأنفاق، إلى درجة أن كل واحد منهم صار يعتقد أن أي نفق من قطاع غزة يمكن أن ينتهي في غرفة نومه. ولذلك فهم يريدون حلا، إما تدمير قطاع غزة بالكامل ومسحه من الوجود، أو التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية.
وبما أن الحل الأول، أي القضاء على المقاومة الفلسطينية غير ممكن ومستحيل، فلم يبق إلا الحل الثاني وهو الاتفاق على التهدئة.
وهنا يحاول الكيان الإسرائيلي، بمساعدة الوسيط المصري ، الذي يمثله نظام السيسي، تحقيق إنجازات سياسية فشل بتحقيقها عسكريا، مما يعبر عن غباء منقطع النظير من العدو الصهيوني، الذي يعتقد أنه يخوض حربا مع أنظمة من طراز الأنظمة العربية في الأربعينيات والستينيات، حيث كان يحدد قواعد اللعبة في الحرب والسياسة، إلا أنه اكتشف هذه المرة أن نوعية التفاوض غير المباشر مختلف، فلأول مرة يكون التفاوض على قاعدة الأنداد المتكافئين، فحماس والمقاومة الفلسطينية تضع شروطا لا تتنازل عنها في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي التي يعتبر رابع أقوى جيش في العالم. مما دفع العدو الإسرائيلي إلى محاولة القيام بحركات التفافية والمراوغة واستخدام الوسيط المصري في محاولاته اليائسة للانقضاض على مطالب الشعب الفلسطيني، وهو ما دفع القيادي في حماس خليل الحية إلى اتهام الكيان الإسرائيلي بمحاولة التلاعب بالألفاظ.
نظام السيسي دأب على محاولة إنقاذ الكيان الإسرائيلي من الهزيمة، وتقديم طوق نجاة له، على شكل مبادرة سرعان ما رفضتها المقاومة الفلسطينية وخضع للشروط الفلسطينية، ثم حاول تقديم مقترحات لتهدئة دائمة سرعان ما رحب بها العدو الصهيوني، إلا أن المقاومة الفلسطينية رفضتها جملة وتفصيلا على لسان القيادي الحمساوي عزت الرشق، الذي قال: “لم ولن نقبل المقترحات المصرية للتهدئة الدائمة”، وأكد “رفضه أي صيغة لا تلبي مطالب الشعب الفلسطيني”، وقال: “المعروض مصريا فيه ملفات كثيرة غير مقبولة”.
صحيح أن غزة تعاني وصحيح أن الشعب الفلسطيني في القطاع دفع ثمنا باهظا من دمه، حيث استشهد 2000 فلسطيني وجرح أكثر من 10 آلاف آخرين وهدمت أو تضررت نصف المنازل واستشهد نحو 450 طفلا وتكبد الشعب الفلسطيني خسائر بمليارات الدولارات، لكن الصحيح أيضاً أن الشعب الفلسطيني في غزة كتب صك حريته بالدم، وهو صك سيعترف به العرب والغرب والعالم والعدو الإسرائيلي، وليس هناك ثمن أقل من رفع الحصار بالكامل، وإنقاذ قطاع غزة من الاحتلال الإسرائيلي وهيمنة نظام السيسي الذي يخنق مصر وغزة.
معركة “العصف المأكول” الفلسطينية هزمت عدوان “الجرف الصامد” الإسرائيلي، والآن هو وقت الحصاد الفلسطيني، وأول الحصاد الحرية الكاملة لقطاع غزة والميناء والمطار وإجبار العالم على إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية.
سمير الحجاوي/الرقص على موسيقى المقاومة الفلسطينية
13
المقالة السابقة