عروبة الإخباري – كتب فيصل الفايز – مثلت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها منتصف القرن الماضي، نموذجاً في العمل السياسي المنضبط، الذي لم يخرُج على ثوابت الدولة الأردنية، وشكلت على الدوام قدوة ومثلاً، للآخرين في الممارسة السياسية الراشدة، والناضجة فأصبحت جزءاً مهماً، ومكوناً رئيساً من النسيج الوطني والاجتماعي الوطني.
ولم تتوانَ جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، عن تحمل المسؤولية الوطنية، تجاه مختلف التحديات، التي واجهت الأردن ونظامه السياسي، وخاصة في خمسينيات القرن الماضي، وما تلاها، كما مارست دورها، بمختلف الأوجه السياسية والاقتصادية والدعوية والاجتماعية، دون ممانعة أو تضييق من النظام، ووصل الأمر إلى أن أُطلق عليهم بأنهم أصبحوا جزءاً أصيلاً منه، وفتح النظام الأردني ذراعيه لهم، ومكنهم من أن يدخلوا وجدان كل أردني وأردنية، بتسامحه وتعاطفه معهم، فأصبحوا القوة السياسية الأكبر، والأوسع انتشاراً والأكثر تواجداً في الشارع الأردني.
ومنذ عودة الحياة البرلمانية العام 1989 أدرك الإخوان المسلمون واجباتهم الوطنية، وأن عليهم كما على الآخرين مسؤولية بناء الدولة وتطويرها، فكانوا أول المشاركين في الانتخابات البرلمانية والبلدية، كما شاركوا في الحكومات التي تشكلت بعد عودة الحياة البرلمانية. ولم تغلق الأبواب بوجههم يوماً من الأيام، بل انخرطوا بقوة في مختلف مؤسسات الدولة، وشكلوا مع مكونات الدولة الأخرى فسيفساء زاهية، وعملوا ما أمكن بمشاركة الآخرين على تطوير الحياة الحزبية والسياسية في الأردن، وتعزيز الديمقراطية فيه، وجاهدوا بالكلمة الراشدة والعمل المُخلص في بناء الأردن الأنموذج، فكانت مشاركتهم في مختلف نواحي الحياة ورؤيتهم لمجمل القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، محل ترحيب وتقدير الجميع، وخاصة من قيادتنا السياسية.
ورغم بعض الممارسات غير المقبولة أحياناً من جانب أشخاص في الجماعة، ومحاولات آخرين تشويه العلاقة القوية بين النظام والجماعة، إلا أن تسامح النظام الأردني ووقوفه على مسافة واحدة من جميع مكونات الوطن، وعدم إيمانه بنهج الإقصاء، ووجود قيادات إخوانية راشدة تعي مسؤوليتها الوطنية، وتحرص على أمن الاردن واستقراره، فوتت الفرصة على كل من حاول الصيد بالماء العكر، لتعكير صفو علاقات الاحترام القائمة بين النظام والإخوان، وكانت النتيجة أن استمرت جماعة الإخوان المسلمين بممارسة نهجها السياسي بمسؤولية ووطنية كبيرة وهمة عالية، بعيداً عن الفوضى والردح السياسي، فلا يستطيع أحد أن يُنكر عليها دورها في العمل من أجل مواجهة مختلف التحديات التي تعرّض لها الأردن على مختلف الأصعدة، فكانوا على الدوام، من بين المكونات السياسية، هم الأقرب إلى ملامسة هموم الوطن وأوجاعه.
ولكن.. وانطلاقاً من قول سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، “صديقك من صدقك وليس من صدّقك”، وبصفة المُراقب والمُتتبع للأحداث، فإنني أقول لإخوتي وأصدقائي في جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، إنه ومُنذ انطلاقة ما سُمي بالربيع العربي، فقد بدأنا نشهد على ساحتنا الوطنية لغة لم نتعود عليها من قبلكم، لغة تحمل أحياناً التخوين وأحياناً أخرى الاتهامية، وبدأنا نلحظ في الأردن مسيرات استعراضية، تعبرون فيها عن تحديكم للدولة، وتطور الأمر لديكم حتى وصل بكم المطاف إلى المطالبة بتعديلات دستورية، تتعدى على صلاحيات جلالة الملك، وفُسر هذا الأمر حينها من المراقبين جميعاً، بأنه محاولة منكم للخروج على الدولة ونظامها السياسي، مستغلين بذلك الانتصارات الأولية، التي تحققت للإخوان المسلمين في عدد من دول “الربيع العربي”.
ورغم القناعة الأكيدة لدى الإخوان المسلمين بأن الأردن وقبل الربيع العربي، ومُنذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله وأدام ملكه، سلطاته الدستورية العام 1999، قد بدأ بتوجيهات من جلالته العمل على إجراء إصلاحات شاملة، طالت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعملت على إجراء تعديلات دستورية عززت الحياة البرلمانية، ومنحت القضاء الاستقلالية التامة، وفعلت المشاركة الشعبية في صنع القرار، ورغم إدراكهم العميق أن الإصلاحات التي تجري في الأردن، هي إصلاحات جوهرية وتتوفر لها الإرادة السياسية، إلا أن لغة التحدي ونهج الاعتراض على كل خطوة إصلاحية، وارتفاع سقف مطالبهم مستغلين ما يجري في دول الربيع العربي، كان ديدنهم منذ العام 2011.
وأشير إلى أنني قد قمت، وبصفة شخصية، ومن مُنطلق الحرص على الأخوة في الحركة الإسلامية، بإجراء عديد من اللقاءات والحوارات مع العديد من القيادات الإخوانية، وفي كل مرة كنت أسعى جاهداً لأن تعود الجماعة، عن قرارها بمقاطعة الانتخابات، باعتبارها جزءا رئيسا وفاعلا في الحياة الأردنية، وأن تتنازل عن بعض مطالبها وخاصة المتعلقة بصلاحيات جلالة الملك، وأكدتُ لهم أيضاً أن الإصلاح في الأردن عملية بدأت، وعجلاته لن تتوقف عن الدوران، وكُنت على الدوام أدفعهم إلى المشاركة في الحياة العامة، والحوارات، التي تجري على ساحتنا الوطنية حول مختلف القضايا، وشكل الإصلاح الشامل الذي يليق ببلدنا ويمكننا جميعاً من أن نكون شركاء في صنعه، إلا أنه وللأسف، كان التعنت والتصلب في المواقف، وعدم الإصغاء، صفات ملازمة في كل حوار أجريته معهم، وكانت العديد من قيادات الإخوان وحزب الجبهة تصر على إجراء تعديلات دستورية، تمس صلاحيات جلالة الملك، وهي شروط يرفضها الأردنيون بالشكل الذي يطرحونه، وقد كنت ألمس أيضاً، أن قياديين آخرين في الجماعة والحزب، كانوا يرفضون طرح موضوع التعديلات الدستورية كأولوية للإصلاح، باعتبار أن هنالك إصلاحات يجب أن تتم قبل الحديث عن صلاحيات الملك.
وأشير أيضا إلى أنه، وفي كل هذه اللقاءات، كنت أؤكد لإخواني في جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، أن الإصلاح في الأردن عملية مستمرة، تتوافر لها الإرادة السياسية، وأن جلالة الملك عبدالله الثاني وفي الأوراق النقاشية التي طرحها، تحدث بوضوح تام عن الإصلاح الشامل، الذي يليق بالأردنيين وبالدولة الأردنية، وأن إصلاحنا ليس كإصلاح الآخرين، بل إنه إصلاح مدروس ومتدرج نابع من بيئتنا ويحاكي واقعنا، وإصلاح لا يحرق المراحل حتى لا يصبح حالنا كحال الذين قفزوا مرة واحدة إلى الأعلى، فأصبح حالهم لا يسر صديقا ولا عدوا.
وخلال اللقاءات أيضاً أكدت أن جلالة الملك، تحدث عن إصلاحات دستورية، تتعلق بالملكية الدستورية، وقد كان جلالته واضحاً بذلك، عندما قال “إن عهدي لن يكون كعهد ابني”، وإن جلالته لا يمانع بإجراء تعديلات دستورية، في هذا الإطار، وكُنت أطرح عليهم سؤالاً جوهرياً، هل هذه الإصلاحات قد حان وقتها وزمانها؟ وهل واقعنا السياسي والحزبي والمجتمعي، كما هو عليه الآن، يمكن من إجراء هذه التعديلات؟ لقد بينت لهم أيضاً أن مثل هذه التعديلات الدستورية تحتاج إلى وجود أحزاب برامجية قوية وفاعلة على الساحة الوطنية، تمكنها من الوصول إلى البرلمان، وتشكيل الحكومات ذات الأغلبية البرلمانية، كما أن مثل هذه التعديلات الدستورية تتطلب منا جميعاً أن نخلق البيئة المناسبة، التي تؤمن بالحوار وقبول الآخر، وترفض سياسة الإقصاء والمغالبة.
ولا أذيع سراً هنا، عندما أقول إنني في كل اللقاءات التي تمت مع إخواني في الحركة الإسلامية، كُنت ألمس من غالبيتهم أنهم نادمون على عدم المشاركة في الحياة البرلمانية، إلا أن الذي استغربه منهم، أنه ورُغم هذه القناعات لدى العديدين من قياداتهم، إلا أنهم يرفضون الإفصاح عنها، وبقي حالهم يراوح مكانه، واستمروا بنفس النهج والخطاب غير الواقعي، ولكن مع الانتكاسات التي واجهت الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي، بدأت الجماعة تبعث برسائل، من هنا وهناك، ترغب بالعودة إلى طاولة الحوار، وخففت من سقف مطالبها، التي كانت تطرحها في بدايات موجات الربيع العربي.
وإنني أؤكد في هذا المقام أن قيادتنا الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني، لو رغبت باستغلال الأوضاع التي وصلت إليها الجماعة، من ضعف وانتكاسات في العديد من الدول العربية، وأرادت الانتقام جراء ما أصاب الوطن ورموزه من بعض قيادات الإخوان وحزب الجبهة، لكان بإمكانها فعل ذلك، لكن جلالته كان على الدوام يؤكد للجميع أن الحركة الإسلامية جزء أصيل من مكونات هذا الوطن، ونسيجه الاجتماعي والسياسي، وأنه لن يسمح لأحد المس بها أو الانقضاض عليها، لكن وللأسف أقول، إن الإخوان وحزبهم، استمروا بالمراوحة والمناكفة، ولم يستجيبوا إلى نهج التسامح، واستمروا أيضاً رهينة للبعض منهم، من الذين اختطفوا الخطاب الراشد والعقلاني والمسؤول للجماعة وحزبها.
وجاءت أحداث غزة الأليمة، وتعاطف الأردنيون، قيادة وشعباً، مع أهلنا فيها، جراء ما أصابهم من عدوان وحشي وبربري غاشم، وذلك على يد المحتل الإسرائيلي، الذي اقتلع في غزة البشر والحجر، حتى وصف هذا العدوان بأنه الأكبر والأكثر همجية، الذي يرتكب في هذا القرن، بحق شعب أعزل كل ذنبه أنه يدافع عن كرامته ووطنه ووجوده وأرضه المحتلة، وكان الأردن، كعهده دائماً، السباق في نصرة الأهل والأشقاء، فلم يبخل الأردن على الشعب الفلسطيني المرابط، ولم يتوانَ عن أداء واجبه القومي والإنساني تجاه فلسطين، فتوحد شعبنا بمختلف تلاوينه وأطيافه، نصرةً لغزة، وأهلها الصامدين والقابضين على الجمر من أجل عزة الأمة ورفعتها.
وعمل جلالة الملك عبدالله الثاني بكل ما أمكن، من أجل وقف العدوان الإسرائيلي، مستغلاً الاحترام الدولي لجلالته وللأردن وشعبه، فكان لجلالته الدور البارز في وقف هذا العدوان البربري وتعاطف العالم مع القضية الفلسطينية، ولم يكن الأردن غائباً ولو ساعة واحدةً عن المشهد والحوارات والاتصالات التي تجري لوقف العدوان، لكن ليس بالضرورة أن يتم الإعلان عن كل الجهود، التي يبذُلها جلالته، فالأردن لا يبحث عن أدوار، ولا تستهويه الخطابات الإعلامية، لكنه سعى وبصمت لنصرة غزة والقضية الفلسطينية، بعيداً عن الاستعراض، انطلاقاً من إيمانه الثابت بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية والمحورية للأردن والأمة العربية، ولذلك كانت القضية الفلسطينية وضرورة حلها حلاً عادلاً وشاملاً، وفق قرارات الشرعية الدولية، وبما يمكّن من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، هي محور لقاءات ومباحثات جلالته مع رؤساء وزعماء العالم على الدوام، وكان جلالته يحمل القضية الفلسطينية معه إلى مختلف المنابر الدولية التي يُشارك بها أيضاً، كما أن جلالته ولنصرة غزة وجه الحكومة والأجهزة المعنية إلى زيادة قدرات المستشفيات الأردنية الميدانية العاملة في فلسطين، وخاصة في غزة، والعمل على زيادة المساعدات الإنسانية والطبية لسكان غزة والشعب الفلسطيني، التي لم تنقطع يوماً من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية، ولم تكن مساعدتنا “مساعدات مواسم” ، كما أن جلالته أمر بتوفير التسهيلات اللازمة، التي تُمكن المساعدات التي تُقدم للشعب الفلسطيني، من الدول العربية عبر الأردن من الوصول إليهم بأسرع ما يمكن، ووفر كافة الإمكانات لوصول هذه المساعدات.
ولكن ماذا كان موقف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي، إزاء هذه الجهود الأردنية، والتضامن الشعبي الأردني مع الأهل في غزة؟ لقد كان وبكل أسف موقف نكران وتشكيك، وقد رأينا من بعضهم هجوماً على الدولة، وتطاولاً على بعض رموزها، والمسؤولين فيها، وسمعنا تشكيكاً بكل الجهود، التي بُذلت، وشاهدنا استعراضات عسكرية، ومهرجانات خطابية، نظمها الإخوان المسلمين، عبروا فيها عن استقوائهم على الدولة الأردنية. وإن كُنت أدرك، كما يدرك غيري، أن بعض ما قام به الإخوان المسلمون، إنما هدفه البحث عن إعادة الهيبة لهم، والتي أهدرت في العديد من الدول، لكن لماذا يُحمّل الأردن أكبر من طاقته؟ وهل بالاستعراضات والخطب الرنانة، نحرر فلسطين، وندعم شعبها؟
لقد أوضحت لعديد القيادات الإخوانية، خلال اللقاءات التي جرت بيننا، أن الأردن محدود الموارد، وأن إلغاء معاهدة وادي عربة تحتاج إلى قرارٍ عربيٍ جماعي، حتى يستطيع الأردن تحمل التكلفة المترتبة عليه، كما أن الأردن لا يستطيع وحده إعلان الحرب على إسرائيل، فمثل هذا الإعلان يحتاج موقفاً عربياً موحداً، والكل يعرف حال الأمة العربية، وأنها بوضع لا يسمح لها باتخاذ مثل هذا القرار، فلماذا اذاً استمرار المزايدة، خاصة أن الإخوة في الحركة الإسلامية، يدركون هذه الحقائق جيداً؟
ليدرك الجميع، أنه لا يجوز لأحد، أياً كان، الاستقواء على الدولة، والمتاجرة بدم الشهداء في غزة، والبحث عن الشعبوية على حساب الوطن وأمنه. وليعلم الجميع، خاصة، ممن تعودوا على جلد الذات، أن مواقف الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لا يمكن لأحد أن يزايد علينا فيها، وهي مواقف مشهود لها، وما يدلل على نبل هذه المواقف وصدقها، هو ما يقوله ويعلنه يومياً الشعب الفلسطيني المرابط وقادته، فرئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة الأستاذ إسماعيل هنية أشاد بالموقف الأردني تجاه الأهل في غزة، أكثر من مرة، كما قام بزيارة إلى المستشفى الميداني الأردني في غزة، وهو يرتدي الكوفية الحمراء الأردنية، تقديراً منه ومن حركة حماس والشعب الفلسطيني للدعم الكبير، الذي يقدمه الشعب الأردني، وللدور الكبير الذي يقوم به جلالة الملك عبدالله خدمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وأقول هنا أيضاً، إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ المناضل خالد مشعل، وخلال لقاءاتي معه أعرب لي شخصياً عن تقديره واعتزازه بالدور الكبير، الذي يقوم به جلالة الملك عبدالله الثاني، خدمة للشعب الفلسطيني، وللدعم الكبير الذي قدمه ويقدمه الشعب الأردني للشعب الفلسطيني عامة، وللأشقاء في غزة تحديداً، أليس هذا اعترافا من المرابطين على أرضهم، والمضحين بدمائهم ودماء أبنائهم، بالدور الأردني الكبير، المُساند للإخوة الفلسطينين في أرضهم؟ أليس ارتداء الكوفية الأردنية هو دليل على قوة ومتانة الأخوة الأردنية الفلسطينية، وعرفان من قبل الإخوة بحركة حماس بالجهود الأردنية الكبيرة؟ إذن، لماذا التجني من الحركة الإسلامية على الدور الأردني؟ وعلى الجهود التي يبذلها الأردن، ملكاً وحكومةً وشعباً، خدمة للأهل في فلسطين؟.. “إن ظُلم ذوي القربى لأشد وأكثر إيلاماً”.
وأضيف، أنه وانطلاقاً من المحبة والتقدير والاحترام، الذي أُكنه لجماعة الإخوان المسلمين، وللإخوة في حزب جبهة العمل الإسلامي، ومن حرصي الأكيد على استمرارهم، كمكون أصيل من الشعب الأردني المُنتمي لوطنه ومليكه، ولاستمرارهم في ممارسة العمل السياسي ضمن ثوابتنا الوطنية، البعيد عن المناكفة والاستقواء، فإنني أدعوهم العودة إلى حضن الوطن الدافئ، والابتعاد عن الخطاب المُتشنج، وعدم الانجرار وراء بعض الأصوات النشاز، التي تبحث عن أدوار ومكاسب شخصية، فأمن الوطن واستقراره مصلحة للجميع، علينا أن نحرص عليها مهما كان الثمن.
وليعلم الإخوة في الحركة الإسلامية أن سياسة الدولة، سياسة راسخة تنطلق من ثوابتنا الوطنية، والدفاع عن مصالحنا العليا، وعن مصالح إخوتنا العرب، وأن دعمنا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، جزء أصيل من نهجنا، الذي لا نحيد عنه، ويشهد لنا فيه القاصي والداني، وأنه لا يمكن لأي أحد أن يزايد علينا، ولا في مدى دعمنا ووقوفنا إلى جانب إخوتنا في فلسطين، وقضاياهم وهمومهم، لذلك لا يجوز أن يبقى أحد منا نداً للدولة. إنني أصدقُ إخوتي في جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي حزب الجبهة، القول والنُصح، انطلاقاً من محبتي لهم، وحرصي عليهم، وأقول لهم إن بعض التصرفات والممارسات، التي صدرت عنكم مؤخراً، وتحديداً عن بعض رموزكم القيادية، خلال أحداث غزة الأليمة، إنما هي تصرفات غير مسؤولة، تدفع باتجاه زعزعة أمن الوطن واستقراره، وتدفع باتجاه جر الدولة الأردنية، بمختلف مكوناتها إلى المواجهة معكم، وهو الأمر الذي لا نريده ولا نتمناه، وأنا على قناعة أيضاً أن الدولة بكل مكوناتها وقيادتنا السياسية لا ترغب ولا تقبل بذلك، لذلك بات لزوماً عليكم، إخوتي، إعادة النظر في العديد من مواقفكم، فلا يجوز المراهنة على تسامح قيادتنا الهاشمية، وشعبنا الطيب إلى الأبد.
والله من وراء القصد
* النائب الأول لرئيس مجلس الأعيان.