عروبة الإخباري – النائب الدكتور هيثم ابو خديجة –
“ازمة تعليمية”.. هي الجملة المناسبة لوصف الحالة التي وصلنا اليها بعد ان قرأنا الارقام التي تم الاعلان عنها حول نتائج امتحان الثانوية العامة سواء من قبل وزير التربية والتعليم او من قبل الحملة الوطنية من اجل حقوق الطلبة “ذبحتونا”.
وان صحت الارقام جميعها واعتقد جازما ان جميعها صحيح فاننا فعليا نقف امام مفترق طرق وامام انحراف في مسار العملية التعليمية قد تؤدي في النهاية لالحاق الضرر الكبير في عدة مجالات لن يكون الاستثمار التعليمي هو المتضرر الوحيد منها بل ان عدة قطاعات هامة وحيوية اردنية ستكون في مهب الريح ان لم يتم البحث عن “علاج سريع ” وحلول منطقية ومؤتمر وطني لانقاذ سمعة التعليم في الاردن والتي ضربها زلزال نتائج التوجيهي بشكل لم يسبق له مثيل.
قد يكون وزير التربية والتعليم محقا حينما قال في لقائه مع التلفزيون الاردني ان نتائج التوجيهي لهذه الدورة محطة كبيرة في تاريخ الاردن منذ ما يقارب العشرين عاما وان الخلل في هذه المرحلة لا تستطيع وزارته معالجته في عام واحد.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ولم يجب عليه معالي الوزير.. لماذا لم يظهر هذا الخلل الا هذا العام واين دور وزراء التربية السابقين؟؟.. فهناك جريمة ارتكبت بحق الاردن منذ عشرون عاما ولكن لم يحاسب عليها احد .. ولماذا لا يقول لنا الوزير وبالارقام والحقائق كيف لدولة ان ترتكب بها مخالفات تعليمية ادت الى وصولنا الى هذه المرحلة والنتيجة المرعبة وكيف لدولة تصدر كفاءاتها التعليمية لدول العالم وتحديدا دول الخليج العربي ان تعلن ان 342 مدرسة لم ينجح منها احد من طلاب الثانوية العامة.. وكيف ستبرر هذا السقوط المريع في حال سالتنا الدول التي نصدر لها كفاءاتنا الاكاديمية عن الاسباب.. اهو المعلم؟؟ ام الطالب؟؟ ام هي سباب اخرى لا نعلم بها؟
وزير التربية يقول ان نسبة النجاح بلغت في الثانوية العامة لهذه الدورة 40.2 % و”ذبحتونا” تقول ان نسبة النجاح لا تتجاوز ال 27.5% والرقمين بحد ذاتهما ايضا مرعبان سواء ما اعلنته الوزارة او ما اعلنته ” ذبحتونا”.. فاين المشكلة واين الحل والى اي مدى ستصل تداعيات هذه الصدمة؟
بالمقابل لا يمكننا اطلاقا ان نفصل بين مخرجات الثانوية العامة ومدخلات التعليم العالي التي ستتاثر بدورها سلبا او ايجاباحسب النتائج وكذلك على الدخل و الميزانية العامة سواء للدولة او حتى على المواطن، فقبل سنوات بلغ عدد الطلبة الاردنيين الذين توجهوا للدراسة في الخارج حوالي 15 الف طالب في مختلف الدول العربية والاجنبية وهذا في واقع الامر عدد مهول وبحاجة الى وقفة وراء الاسباب التي تدفع الطلبة الى الدراسة في الخارج على الرغم من عراقة الجامعات الحكومية والخاصة الاردنية.
ان وجود هذا العدد من الطلبة يعني انفاق ما يزيد عن 300 مليون دولار سنويا من اقساط جامعية ومصاريف سكن و معيشة وغيرها وذلك بافتراض ان متوسط انفاق الطالب هو 20 الف دولار سنويا، مما يعني استنزاف للموارد الاقتصادية والعملة الصعبة وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة بالاضافة الى البعد الاجتماعي المتمثل بتاثر الطلبة بافكار اجتماعية وسياسية قد تكون خارجة عن المالوف في مجتمعنا.
ولو تم استيعاب هؤلاء الطلاب في الجامعات الاردنية فانهم سينفقون ما يزيدعن 72 مليون دولار سنويا تشمل اقساط الجامعات والمواصلات والكتب والطعام وغيرها مما ينعش قطاعات مختلفة وينعكس ايجابا على الاقتصاد الوطني.
ولابد لنا ان لا نغفل انه عند استيعاب هذا الجزء من الطلبة فانه سوف يخلق ما يزيد عن 4000 فرصة عمل جديدة للاردنيين بمختلف الفئات.
ولان لغة الارقام هي التي تتحدث عن نفسه نلاحظ ان ما يقارب 5000 طالب اي ثلث عدد الطلبة الذين يدرسون في الخارج والرقم مرشح للازدياد يدرسون في تخصص الطب وطب الاسنان والصيدلة وانما يقارب 8000 طالب يدرسون في التخصصات المختلفة كالتجارة والقانون وعلم الحاسوب والعلوم الاجتماعية والانسانية وغيرها.
وان الملفت للنظر ان هؤلاء الطلاب الذين يدرسون تخصصات السياسية والعلوم الانسانية تعتبر دراستهم خارج الاردن هدر للموارد ويتطلب التدخل باسرع وقت لوقف هذا الهدر وذلك من خلال انشاء جامعات قادرة على استقطاب هؤلاء الطلبة للدراسة فيها من خلال ارتباطها بجامعات عالمية في مختلف التخصصات مما يجعل الدراسة فيها مغرية لفئات متعددة من الطلبة الذين يدرسون بالخارج بالاضافة الى استقطاب الطلبة من الدول المجاورة والشقيقة للدراسة في هذه الجامعات داخل الاردن مما ينعكس ايجابا على الوضع الاقتصادي من حيث زيادة التدفقات النقدية وخلق وظائف جديدة وجذب استثمارات مكملة مما يساعد في تحقيق انتعاش اقتصادي.
ارقام التوجيهي هذا العام ” مرعبة” فعليا وبحاجة الى علاج سريع وفعال وقبل ذلك تحتاج الى عقد مؤتمر وطني لمناقشة انجح السبل في انقاذ التعليم الاساسي العالي.