أشارت التقارير التي نشرت قبل أيام على أن خسائر شركة الكهرباء الوطنية لعام 2014 ستصل إلى 1400 مليون دينار أو ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي للإقتصاد الأردني بكامله، أو 200دينار لكل فرد من السكان أو 20% من موازنة الحكومة أو ما يعادل 50% من تكاليف شبكة وطنية للسكة الحديد .وتعادل 640 مليار دولار في الإقتصاد الأمريكي.هذه الخسائر هي بزيادة بنسبة 35% عن عام 2013. وهذه أرقام صادمة بكل معنى الكلمة. وقد تم تفسير ذلك بسبب الإنقطاع الكامل للغاز المصري. هل يعقل أن يستمر التوليد على أساس وجود الغاز ولا يوجد غاز ؟ لقد بدأ تناقص الغاز المصري منذ عام 2009 ونحن اليوم في عام 2014 نتحدث عن انقطاع الغاز. ويبدو انه خلال (5) سنوات لم تستطع وزارة الطاقة أن تصل إلى قرار ماذا تريد و ماذا ينبغي أن تفعل؟ هل يعقل أن المسئولين لم يقرؤوا أن احتياطي مصر من الغاز محدود نسبياً ولا يتجاوز (2250) مليار متر مكعب؟ وبالتالي فإن تصديره من بلد تعداد سكانه (90) مليون نسمة ما كان ليستمر إلا لبضع سنوات. واليوم تبحث مصر عن مصادر خارجية لتشتري منها الغاز.
كيف يمكن أن يستمر التوليد والتعاقد مع شركات على أساس وجود الغاز بعد كل هذا؟. ومن جانب آخر، كيف يمكن أن تتحرك الشركات المولدة للكهرباء لاستخدام الديزل وتتعاقد الحكومة مع شركات لإنشاء محطات ديزل جديدة وتكاليف الكهرباء من الديزل هي الأعلى بين مختلف المصادر؟ و ليس من المفهوم إقتصاديا أو هندسيا لماذا تصر الشركات وتصر وزارة الطاقة على عدم التوسع إلى أكبر حد ممكن في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والصخر الزيتي و كل البدائل الأخرى الممكنة، فتؤجل في هذه المشاريع لسنوات ، لتقوم بإنتاج الكهرباء بتكاليف مرتفعة يتحملها المواطن وتتحملها الخزينة ويتحملها الاقتصاد الوطني و بهذه الأرقام الضخمة.
إن الطريقة المباشرة والسريعة لتقليل الخسائر الناشئة عن استخدام الديزل هي تقليص الكميات الكهربائية المولدة من هذه المادة. إن تخفيض الكميات المولدة بالديزل بنسبة 10% تعني ما يقرب من 140 مليون دينار سنويا، نحن بأمس الحاجة إليها من أجل تنمية المحافظات. وهل هناك طريقة أسهل وأسرع من تشجيع أكبر عدد من المستهلكين على التوليد من خلال الطاقة الشمسية مثلا وعلى نفقتهم ؟ ومن خلال الصخر الزيتي والبدائل المتجددة الأخرى؟.
الوضع الذي نحن فيه و كأن هناك لافتة كبيرة مكتوب عليها :” لا تولدوا الكهرباء بالبدائل المتاحة . نحن نولدها من الغاز المصري ( غير الموجود) أو الديزل المرتفع الثمن. و الشركة تخسر بمئات الملايين وانتم تتحملون الخسارة .”
و نتمنى من مؤسساتنا الأهلية والرسمية أن تنظر إلى الدول الأخرى وتجاربها الناجحة. ففي المغرب وهي دولة عربية تشبهنا في كثير من الأشياء، ودخل الفرد فيها قريب من دخل الفرد في الأردن، وهي مستوردة للطاقة، يجري الآن فيها “بناء أكبر محطة شمسية في العالم” وتم تخصيص استثمارات بـ (3) مليارات دولار لهذه الغاية. هذا في الوقت الذي ستكون فيه كفاءة المحطات الشمسية في الأردن أفضل منها في المغرب. ويخطط” المغرب لتكون الطاقة المتجددة 40% من مزيج الطاقة مع حلول عام 2020”، وستكون حصة الطاقة الشمسية (4) محطات كبرى بقدرة 2000 ميغاواط إضافة إلى وحدات التوليد الفردية الصغيرة والمتوسطة .
المستثمرون في الطاقة الشمسية لدينا يتزاحمون على وزارة الطاقة والثروة المعدنية، والوزارة تتعامل معهم بلطف كبير، ولكن التجاوب يسير ببطء شديد .أما الصخر الزيتي فالتعامل معه على أساس خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف . لماذا تمضي أكثر من 8 سنوات وشركات الصخر الزيتي تتوسل إلى الحكومة لإعطائها الفرصة لتوليد الكهرباء بالحرق المباشر وبعد ذلك لاستخراج النفط من الصخر الزيتي والحكومة لا تبالي، و تضغط لتخفيض أسعار الشراء و كأنها مصرة على الغاز و الديزل ؟ و على المواطن أن يدفع الخسائر بطريقة أو أخرى.
و مرة عاشرة فأن الحكومة مصرة على محطة نووية كلفتها (12) مليار دولار لا يعرف أين سيكون موقعها ومن أين ستأتي بمياه التبريد لها في حالة الكارثة النووية وتتردد في نفس الوقت أن تستثمر أو تفسح الفرصة للآخرين من الاستثمار في البدائل . و إلى أن تنجز المحطة النووية و في ظل السياسات الحالية فإن مجموع الخسائر ربما تصل إلى ما يقارب 15 مليار دينار. وإذا استمر تناول الموضوع بهذه الطريقة ما هي الكلفة التي على المواطن أن يتحملها بعد (5) سنوات أو بعد (8) سنوات؟ وهل سيحتمل ذلك؟
إن العالم يتغير أسرع بكثير مما يتغير تفكيرنا، وتتطور أساليبنا. لماذا تصر الدولة على تزويد المدارس مثلا بكهرباء مولدة من الديزل بكلفة باهظة؟ في حين يمكن تزويدها بكهرباء الطاقة الشمسية، ولدينا 4000 مدرسة حكومية و 2000 مدرسة خاصة ؟ لماذا تصر على تزويد الأرياف بكلفة كهربائية مرتفعة الثمن وبالإمكان تزويدها لمدة (6) إلى (8) ساعات بالطاقة الشمسية فتنخفض الخسائر تلقائيا.
يبدو أن البعض لا يرى طريقا لتخفيض الخسائر الفادحة إلا بزيادة الأسعار التي تقع على المواطن والخزينة. أما تخفيض كلف الإنتاج و استخدام البدائل الأكثر إقتصادية، وهذه من أبجديات العمل الاقتصادي، أما الاستخدام الحلول التراكمية والأقل كلفة فهذا غائب بشكل لافت للنظر. لماذا؟ وهل سنستمر في مستقبل الأيام على هذا المنوال؟ لا احد يدري.
د.ابراهيم بدران/أرقام صادمة…. ومسائل غير مفهومة
10
المقالة السابقة