أن تعود الحالة في الأقطار العربية إلى ما كان عليه الأمر قبل (1400) سنة، فتعلن داعش أن أهل الموصل، هذه المدينة العربية العريقة التي لعبت دوراً بارزاً في التاريخ العربي، تعلن أن على مسيحيي الموصل الإسلام أو الجزية أو القتل، شيء لا يصدقه عقل، ولا يرضى به ضمير، ولا يجوز السكوت عنه وتمريره.
وأن تستمر إسرائيل في حملة القتل والتدمير والفتك بالمدنيين الأبرياء في قطاع محاصر براً وجوا وبحرا لتقتل ما معدله (70) وتجرح (200) إنساناً يومياً على مدى 4 أسابيع بما في ذلك الأطفال في المدارس، أمر لا يصدقه عقل ولا يرضى به ضمير، ولا يجوز أن يمر بدون أن تتحمل إسرائيل النتائج .
ولكن الحادثتين تقعان تحت سمع وبصر الأقطار العربية، والدول أعضاء مجلس الأمن، والمجتمع الدولي بمؤسساته وقوانينه وحقوقييه و برلمانييه، ومنظمات المجتمع المدني فيه، ولا يقابل كل ذلك إلا بالصمت أو الإستنكار، أو الشجب الكلامي الذي لا يقدم ولا يؤخر. فلا نتنياهو وزبانيته يسمعون، ولا خليفة المسلمين الجديد ومبايعوه يعنيهم الأمر. فما الذي يحدث في المنطقة؟ وأين دور الشعوب والحكومات؟. هل يمكن أن تأتي مجموعة من الناس مثل داعش لتنزع آلاف الناس من بيوتهم في الموصل وغيرها تحت تهديد القتل والسبي أو تغيير الدين أو دفع الجزية؟. هل يمكن أن يتغاضى المجتمع الدولي والعرب والمسلمون عن نتنياهو وهو يخصص جندياً لكل (25) من السكان العزل في غزة بمن فيهم الأطفال ليقتلوا ويدمروا بعد أن حاصر غزة لمدة (8) سنوات.
لم يزعج الساسة في أوروبا وأمريكا سوى استهداف القوات الإسرائيلية المعتدية لمدرسة تابعة للأنروا. نعم إنها جريمة حرب من الطراز الأول. ولكن عدد المدارس التي تم تدميرها حتى الآن تجاوزت (140) مدرسة، وعدد المنازل والمبني والمساجد والكنائس تجاوز (15000) مبنى، وعدد القتلى من الأطفال تجاوز (1200) طفل. ومع هذا فإن الخزي الأكبر للولايات المتحدة التي زودت نتنياهو بمزيد من أسلحة الموت فتسمح له باستعمال المخزون لديه من المتفجرات الأمريكية بعد أن نفذ مخزونه من هذه المتفجرات. أما البشر من مسيحيي غزة ومسيحيي الموصل، ناهيك عن مسلمي غزة والموصل، فهؤلاء لا قيمة لهم في نظر الساسة الأوروبيين والأمريكيين، لأن نجاحهم في الإنتخابات بدعم من اللوبي الصهيوني أهم من كل شيء وأي شيء.
السؤال: هل يستمر نتنياهو في حملته المسعورة التي لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ حملات الإبادة الجماعية للنظام النازي وأثناء الحرب العالمية الثانية؟ وهل تستمر المدن العربية مهددة من قبل الجماعات المتطرفة لتحتلها وتفرض عليها ما تشاء في حين تصلها الأسلحة من المزودين في أوروبا و أمريكا؟ وهل سيستمر الإستقطاب المذهبي والديني ليدمر الأقطار العربية الواحد تلو الآخر؟. لا خلاف بأن المستفيد الوحيد من كل ما يجري هي إسرائيل. ويعتبر اليمين الإسرائيلي أن الظرف الحالي يمثل فرصة ذهبية لتفتيت المنطقة كليا بأسرع و أسهل و أقل كلفة مما كانوا يتصورون، ولقتل الفلسطينيين وتشجيع مزيد من التطرف الديني بالمال والسلاح من خلال وسطاء، حتى تتقسم المنطقة إلى إمارات دينية و مذهبية تبرر وجود دولة دينية أخرى هي إسرائيل اليهودية.
إن مطالب الفلسطينيين في غزة لا ينبغي التغاضي عنها لأنها جزء حقيقي من القانون الدولي والإنساني. أولاً: إنهاء الحصار، إذ ليس هناك من قانون يسمح بسجن جماعي لـ (2) مليون من السكان ومنعهم من التواصل البري والبحري والجوي مع العالم. فهذا يدخل تحت باب الإبادة الجماعية. ثانياً: إنهاء الإحتلال، إذ لا يوجد بلد أو دولة (وفلسطين دولة) تحت الإحتلال إلا فلسطين بجزأيها الضفة الغربية وغزة. ثالثاً: إستهداف المدنيين في الحروب. فعلى الرغم من أن إسرائيل فقدت (57) من جنودها في القتال، إلا أن قتلاها من المدنيين قلة لم تتجاوز بضعة أشخاص. رابعاً: إستخدام الأسلحة الممنوعة دولياً كالقنابل العنقودية والمسمارية والنابالم والفسفور الأبيض.
قد تصل الوفود التي ذهبت إلى القاهرة إلى هدنة إنسانية لمدة أيام، أو هدنة مؤقتة ستنقضها إسرائيل عشرات المرات، ولكن المشكلة لن تنتهي بوقف القتال ووقف العدوان الإسرائيلي الدموي المباشر، وإنما على الجانب الفلسطيني وتؤازره الأقطار العربية والدول الصديقة والرأي العام في أوروبا ،عليه أن يستمر في المطالبة بإنهاء الحصار، وإنهاء الإحتلال، وفتح المياه والأجواء الإقليمية لفلسطين في قطاع غزة. وعليه أن يطالب بحماية دولية للشعب الفلسطيني إلى أن ينتهي الاحتلال نهائياً. وهذه المطالب لا ينبغي أن تكون موسمية، أو أن تنتظر نتائج مفاوضات السلام، وإنما ينبغي تكوين مجموعات متخصصة ومتفرغة لهذه الغاية. وعلى الفرق القانونية والسياسية المدعومة عربياً أن تواصل المطالبة بكل الطرق التي يسمح بها القانون الدولي وهي كثيرة إلى أن تتحقق.
ومن جانب آخر لابد من النظر إلى ما تقوم به الجماعات المتطرفة على انه تدمير للمجتمعات العربية، ومخالفة صريحة للقانون الدولي. إن أعداء المنطقة العربية هما العنصرية النازية الإسرائيلية من جانب، والتخلف من جانب ثان و التطرف الذي يهيمن على الجماعات المتطرفة من جانب ثالث. ولا يجوز الانتظار حتى تصعد هذه الأعداء الثلاثة من الخراب و التدمير ، وإنما العمل الوقائي المبرمج له الأولوية. فمستقبل التطرف هو الدمار، ومستقبل العنصرية الدموية الإسرائيلية هو الدمار أيضا، والتخلف لا مستقبل له.