كارثة الحرب الاسرائيلية على غزة تؤكد امراً واضحاً منذ سنوات وهو ان القيادات الاسرائيلية المتتالية لم تخطط يوماً لاحتمال قبول إنشاء دولة فلسطينية على حدودها. فكل ما سمعناه من وعود اميركية بسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين مع انشاء دولتين ما هو الا حبر على ورق طالما ان الادارة الاميركية غير عازمة على الضغط بعقوبات صارمة على الحليف الاسرائيلي لعدم التزامه بكل الاتفاقيات التي وافق عليها مبدئياً.
القصف الوحشي الاسرائيلي على المدارس والمستشفيات الفلسطينية لا يمكن إلا ان يولد المزيد من الكراهية والعنف. تغريدة الدكتور الغزّاوي امس باسل ابو وردة التي يصرخ فيها للعالم انه لم يشهد من قبل مثل هذا القصف الاسرائيلي العنيف وأنه متأكد من انه سيموت مودعاً المغردين عكست بقوة الكارثة الانسانية التي تحصل في غزة. والاسرة الدولية تترك اسرائيل تدّعي انها تحارب من اجل امنها. أي امن سيكون بعد قصف مستمر بأحدث الآليات العسكرية الاسرائيلية وقتل الاطفال والنساء بالمئات؟
يروي وزير خارجية قطر خالد العطية انه كان يفاوض مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في الدوحة على ورقة جون كيري وقبل نهاية التفاوض معه اتى رفضها من الحكومة الاسرائيلية. القيادة الاسرائيلية العمياء تريد ضمان امنها بالقصف والقتل والقمع، ولكن هذا العنف سيولد رد فعل اعنف من شعب يشعر انه محكوم بالموت إما تحت القنابل او بالخنق الاقتصادي والفقر والبؤس. فليس لديه الا ان يرد على هذا القصف إلا بالمثل. غزة بقيت تحت الحصار رغم كل الاتفاقات التي وافقت عليها اسرائيل في 2011 و2012، فالقطاع في حالة مزرية من الفقر والبؤس والعالم لم يتحرك لإجبار اسرائيل بالتزاماتها. تماماً كما ادانة العالم لإسرائيل بسبب المستوطنات ولكن لم تعاقب اسرائيل يوماً لاستمرارها بإنشائها. فطالما لن تفرض اي عقوبات على اسرائيل فكيف يمكن الضغط عليها. اسرائيل تريد تدمير الأنفاق. ولكن لو كانت سمحت لغزة بأن يكون لها مرفأ وأن يفك الحصار عنها لما وجدت هذه الأنفاق. لم يبق رئيس غربي صديق لإسرائيل إلا وشبع من تعنت بنيامين نتانياهو وكذبه. وقد سمعنا الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي يقول لنظيره اوباما في احدى القمم العالمية ان نتانياهو كذاب، وساركوزي كان يعتقد انه يتكلم مع اوباما والميكروفون مغلق.
ان مأساة الشعب الفلسطيني ان اللوم يقع عليه باستمرار، اضافة الى ان لا احد في هذه الاسرة الدولية يظهر بأنه مهتم بأمنه على كل الصعد الامنية والمعيشية والاجتماعية. ولكن هذه الاوضاع سترتد على اسرائيل والأمن التي تتحدث عنه. فلا يمكن الدولة العبرية ان تعيش بأمن اذا استمرت بهذه السياسية القاتلة والعنصرية إزاء شعب يعيش الى جانبها. فالفلسطينيون يعملون في الفنادق الاسرائيلية كما انهم يعملون في قطاع البناء الاسرائيلي. فهم الذين يبنون المستوطنات لأن لديهم احتياجات مالية تجبرهم على قبول اي عمل. فما هو مستقبل الشعب الفلسطيني اليائس في اطار سياسة اسرائيلية عمياء ومجتمع دولي متخاذل وقيادات عربية عاجزة؟ استمرار الحرب لمئة سنة من دون اي حل في الافق والمزيد من العنف والتطرف وأمن اسرائيل على شفا الهاوية في حرب لن تكسبها الدولة العبرية بالقصف والقنابل والقتل والقمع. ان مستقبل المنطقة هو للمزيد من العنف والحروب طالما ستبقى السياسة الاسرائيلية على هذا المنطق الغبي البعيد كل البعد من ضمان امنها فالدولة العبرية تضمن خرابها.
رندة تقي الدين/امن إسرائيل سيخربها
9
المقالة السابقة